دكتوراه في الإعلام - فرنسا :
كنت أظن أن القذافي هو الأشد دموية في ليبيا، والأبعد عن هموم الشعب الليبي وتطلعاته، وكنت أعتقد أنه الأكثر قسوة في التعامل مع المظاهرات السلمية للجماهير. وبعد الاستماع إلى كلمة نجله التي بثها التلفزيون الليبي وتابعناها على محطة الجزيرة الفضائية تغيرت قناعتنا تجاه الرجل.
فالمهندس سيف الإسلام نجل الزعيم، كان أشد وضوحاً من والده، إذ هدد الشعب الليبي صراحة بالويل والثبور إن استمر في المظاهرات المناوئة للحكومة الليبية.
في التهديدات التي أطلقها القذافي الابن، أن ليبيا ستعود إلى الوراء أربعين سنة إذا سقط النظام، وأن الفوضى ستعم البلاد، وسيخسر الشعب الليبي مصدر قوته وهو البترول، ولن يجد قطعة خبز يأكلها أو بعض الدقيق. بعد ذلك ذهب الزعيم الجديد لتهديد شعبه بالاستعمار، قائلاً لا تظنوا أن الغرب سيترك ليبيا وشأنها، بل سيحتلها من جديد أو يفرض الوصاية عليها، ومخطئ من يظن أن الغرب سيترك بلادنا مستقلة.
إلى الآن يبدو سيف الإسلام مفكر عبقرياً كوالده، ولكنه وفي نهاية الخطاب غضب فجأة وتغيرت لغته واحمر وجهه وأصبحت لهجته شديدة العدائية، فهدد بقتل مئات الآلاف من الشعب الليبي في حال استمرار الفوضى، لأن السلاح كما قال موجود في يد الجميع.
لم يقف ابن العقيد عند هذا الحد، بل صرخ بشدة أن الجيش الليبي لا يزال بخير ولا يزال موالياً ومؤيداً للعقيد القذافي وأنه سيدافع عن معمر القذافي إلى آخر لحظة وإلى آخر طلقة. وأكد أن عشرات الآلاف تتوافد على طرابلس لتدعم العقيد وتحارب دونه، فالعقيد ليس كأي رئيس آخر، وما هو بحسني مبارك ولا بزين العابدين بن علي وأن الملايين وراءه وتفديه بدمائها.
لم ينس سيف الإسلام، أن يحذر أيضاً من الحرب الأهلية في حال سقوط النظام وأنهار الدماء التي سوف تسيل في حال استمرار ثورة الشعب. وأكد في حديثه مرتين على الأقل أن ليبيا ليست مصر ولا تونس، تماماً كما أكد من قبله حسني مبارك وأبو الغيط أن مصر ليست تونس ولن تكون. وذكر نجل الزعيم، أن الجيش الليبي ليس كأخيه المصري أو التونسي بل هو موال بشكل مطلق لسلطة القذافي.
حذر الخطاب المسجل أيضاً من حرق البترول وضياع ثروة البلاد وتقسيم البلاد إلى عدوة دويلات، وباختصار قال القذافي الابن للشعب إما النظام وإما فلنحتكم إلى السلاح وأنهار الدماء ونحن لكم بالمرصاد.
الجانب الآخر الملفت للنظر في حديث المهندس سيف الإسلام، هو ما قدمه عن المجموعات التي تقف خلف هذه الأحداث، وإذ لم أتفاجأ بحديثه عن المجموعة الأولى من المحامين والمثقفين التي تطالب بإصلاحات سياسية واضحة، ولم أقف كثيراً عند حديثه عن المجموعة الثانية التي تطالب بحكم إسلامي في ليبيا، وهي الفزاعة التي استخدمها حسني مبارك من قبل لكسب تعاطف الغرب معه، لكنني صدمت خاصة عندما تكلم عن المجموعة الثالثة قائلاً أنها مجموعة من السكارى والحشاشين وأولئك الذين يتعاطون حبوب الهلوسة ويهاجمون الجيش ومقرات الأمن لأنهم تحت تأثير المخدرات، وبطرفة عين جعل القذافي الابن ثورة ليبيا العارمة رهناً بمجموعة من الحشاشين والسكارى.
لكن سيف الإسلام نسي أن يشرح لنا كيف حصل هؤلاء الحشاشون على الحبوب المخدرة في بلده ومن أين أحضروا حبوب الهلوسة، وكيف يسوق السكارى الدبابات في الشوارع ويسيطرون كما قال على المقار الأمنية.
بعد ذلك أعاد سيف الإسلام تصريحات مقيتة سمعناها من قبل في تونس وفي القاهرة، إذا تكلم الرجل عن المندسين والمرتزقة والمخططات التي ترمي إلى إحداث الفتنة في البلاد وكيف أن الحكومة قبضت على عشرات من هؤلاء الذين تم شراء ذممهم بالمال، وتحدث عن جماعات مصرية وتونسية وفلسطينية.
لم ينس القذافي نصيب الجزيرة من هجومه العنيف، إذ حذر من المبالغة الإعلامية وطلب من الناس ألا يصدقوا كل ما يسمعونه، إذ تقوم بعض الفضائيات بالاتفاق مع المعارضين في الخارج ويتكلمون كما لو أنهم يعيشون في الداخل الليبي.
وخاطب القذافي الجديد أبناء الشعب الليبي محذراً إياهم من الاستماع للمعارضين الخونة في الخارج، الذين يتمتعون بالجنسيات الأجنبية ويدرس أبنائهم في مدارس بريطانيا وكندا ويحرضون أبناء الشعب في الداخل على النزول إلى الشوارع والموت.
لقد خانت العبارات الزعيم الجديد، فقد أقر من حيث لم يشعر بأن الدولة جاهزة لقتل هؤلاء الذين سينزلون إلى الشوارع، ولم يخبرنا سيف الإسلام مرة أخرى لماذا يعيش هؤلاء الخونة مشردين في الأرض بعد أن كانوا يعيشون في ليبيا ولا يرضون عنها بدلاً.
وإذ كان القذافي قد نصح الشعب الليبي بالعودة إلى البيوت ودرء الفتنة مقابل بعض الإصلاحات المدنية ووضع دستور للبلاد فليخبرنا لماذا لم يوضع مثل هذا الدستور منذ أربعين سنة خلت ولماذا لم تحرك الحكومة ساكنا للإصلاح قبل شعوره اليوم بالخوف على كرسي أبيه وكرسيه من بعد.
نحن بدورنا ننصح الشعب الليبي بالصبر والمصابرة والمثابرة فقد أصبح سقوط النظام وشيكاً ولعلها ساعات قصار أو عدة أيام، وتتحرر ليبيا وتعود بلداً لكل شعبها.
بقي أن نقول أن القذافي سيف الإسلام ذكر جملة لفتت نظري بشدة وأثارت اهتمامي فقد طلب إلى الشعب الليبي أن يشارك في الإصلاح فوراً، وليعتبر أن الجماهيرية الأولى قد انتهت تماماً بمشكلاتها وأخطائها وأن الجماهيرية الثانية ستبدأ من الغد. احترت في التعليق على هذه العبارة، هل يقصد القذافي الابن أن جماهيرية أبيه معمر قد انتهت وأنه سيحكم البلاد والعباد في ظل الجماهيرية الثانية أربعين سنة أخرى؟ نرجو الله السلامة.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية