بعد أن حصلت على شهادتي الدراسية لم أشأَ ان اطرق باب العمل فعمدت استغلالا للوقت لتادية ضريبة الوطن ( خدمة العلم ) فتعلمت في سنتين ما لم اتعلمة مما ماضى من عُمري وكان اهما الصبر والمناقشة بعد التنفيذ , وكان لتلك الفتره ما لها من تاثير ايجابي على سلوكي وشخصيتي ، مضت السنتين والتحقت بعدها بوظيفه حكوميه بعقد فتعرفت على عالم الموظف الحكومي لما يقارب الخمس سنوات , فكنت شاهدا على تغير ملامح تلك الدائره بل و تغير شكل المراسل والسائق بمجرد تغير المدير , فغدت تلك الدائره مثل شجره البلوط التي يتغيرالوانها و اوراقها بتغير الفصول .
كنت ارقب عن كثب كيف تحول بعض الموظفين الى المرتزقة والمنافقين بل و حراذين لا يملكون سوى " هز الرأس" او" هز الذنب " مثل القطط لسعادة المدير الجديد "لطلب مودته و بعض الاحيان – استغفر الله - رحمتة ؟
في قررة نفسي وجدت ان الوظيفه الحكوميه لا تشبع طاقاتي الكامنة - وان اشبعت معدتي - وأبى طموحي و كان أكبر مني , الاستمرار اكثر من ذلك فبحثت لفتره طويله عن عمل جديد حتى اذا اكرمني الله بعمل اخر فستنكفت عن الوظيفه الحكوميه وسرت في ركب القطاع الخاص.
وكنت اعتقد ان للعمل في القطاع الخاص مزايا كثيره وخصوصا التطور على الصعيدين الشخصي والمهني، وخاصة إن عملت في شركة كبيره ذات فروع ، فمرت خمس سنوات وأدائي يتطور- حسب اعتقادي - ومعرفتي تزداد تباعا وشخصيتي اصبحت أكثر مرونة و ثقة , فبات عملي روتينا فامتلكت فيه من الخبره من يكفيني لانجازه بل وتطويره ان سمحت لي الظروف.
مرت الأيام و الشهور في حياتي و كنت اعتقد ان الامور تسير كما يجب رغم ان الضغوظ و الآلام بدأت تزداد أيضا!! فالعمل في القطاع الخاص هو حال من الصراع المستمر طول فتره الدوام و بدات ادقق النظر في التغيُّرات و التأثيرات التي حصدتها من جراء العمل في القطاع الخاص فكنت أفوت الكثير من الحياه الاجتماعية و الهوايات التي كانت تستهويني فيما سبق بسبب طول ساعات العمل و انعدام الراحه النفسية حتى اثناء العطل ؟ و لأول مرة زرت طبيب الأعصاب و ثم بعد فتره وجدت نفس على سرير في احدى المستشفيات اعاني من معض كلوى , لقد اصبحت لقمة العيش مغمسة بالدم.
بدأت انتهازية القطاع الخاص تأكل من جسدي ومن صحتي وأنا في ريعان شبابي وبدأت تحرمني من أهم لحظات حياتي مع أسرتي و أقاربي والتواصل مع أصدقائي, غير ان اهم ما بدات اشعر به هو ان الركب قد سبقني وما كان ليسبقني لولا ان فلان هو ابن فلان او قريب فلان او بن خاله عمته لامة وذلك اضعف الايمان ,لذلك جاءتة الترقيات والترفيعات مثل مطر ( المربعنية ) و عندما وقفت وسالت لماذا : وجدت ان الاجابة ان فلان لدية دورة كذا في علوم ... ودورة كذا في تخصص الفلاني وهو بذلك يستحق .
طيب , لماذا لم يتم منحي قليلا من تلك الدورات ولماذا تلك الدورات مقصوره على اقرباء اعضاء مجلس الاداره او مسؤولى الاداره وحاشيتهم ..... ولماذا اصبحت الاستفادة من تلك الدورات حكرا على حاشيه من يقدموا- نظريا - تلك الدورات .
وفي كل مره كنت اعلل نفسى واقول ان ركب التقدم والتطوير سوف يصلني ....- لكن - بعد ان يمر على كل من يعمل في تلك المؤسسة و اولادهم من بعدهم .
بدأت نفسي رويداً رويداً تسأم ذلك العمل والطريقه الانتهازية التي يدار بها من قبل ذوي المراتب المتقدمة او كما اسميهم - ذوي الاحتياجات الخاصه - .
و تساءلت: لماذا احمل السلم بالعرض , و لماذا لا اقبل ما يملى على برحابة صدر فانا لست من تلك العائله التي تدير تلك المؤسسة ولا حتى من نفس القريه او البلدة التي ينحدرون منها وما هو المتوقع غيرذلك , نعم العمل في القطاع الخاص ربما يحقق لنا راتبا افضل من رواتب الحكومه لكننا في النهاية اصبحنا سلما و درجا (ذوي الاحتياجات الخاصة ) كي يحقق هم و اولادهم انجازتهم ونحقق نحن واولادنا المزيد من التعب و الحرمان؟؟
هل فعلا العمل في بعض مؤسسات القطاع الخاص يحقق لنا المعامله العادله في ضل المنافسه العشائريه و القطريه البغيضة و الى متى يمكن ان يستمر الفرد في مثل هذه الظروف بعد ان اكتشفنا أننا استهلكنا شبابنا في الجري وراء سراب العمل الجاد وسيله للتطوير الذات و الترقيه الوظيفيه وفي ظل قصور القوانين التي تنصفنا ؟
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية