أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الثوري الذي يقمع الثوار .. د. عوض السليمان


دكتوراه في الإعلام – فرنسا


لا يكاد المرء يصدق الأخبار الواردة من ليبيا، ولا يكاد يفهمها، فقد قامت "الحكومة الثورية"، في سابقة هي الأولى من نوعها ، باستقدام عصابات مسلحة من إفريقيا لتقتل بها المحتجين من أبناء الشعب الليبي.
استغرب العالم أجمع، عندما حاول حسني مبارك أن يحرض الشعب المصري بعضه على بعض، ويضرب بعض أطيافه ببعضها. فما بالنا اليوم، وقد قام القذافي باستجلاب المرتزقة من أوغندا وتشاد وغيرها ليقتل بها شعبه الذي أطاعه أربعين عاماً متواصلة.
إن ما جرى في ليبيا في الأيام القليلة الماضية وما يجري الآن لهو أشد من جريمة حرب وأشد بلا ريب من جرائم ضد الإنسانية بأجمعها، فالأوغنديون والتشاديون لن يرحموا الشعب الليبي، ولن يفكروا في مأساته، فالمهم عندهم أن يقبضوا أجورهم على إبادة الجماهير المسالمة في بنغازي وغيرها من المدن الليبية الثائرة.
تذكرني هذه القضية بالمرتزقة مدفوعي الأجر الذين سلطتهم الإدارة الأمريكية على الشعب العراقي فأمعنوا فيه قتلاً وذبحاً دونما رحمة.
المشهد اليوم يتكرر في رابعة النهار، ولكن الزعيم هنا يقتل شعبه المسالم، ولا يقاتل الكيان الصهيوني على سبيل المثال.
تتحدث الأنباء الواردة من ليبيا عن مجزرة بشعة جرت بحق المتظاهرين في بنغازي، وأن العصابات الأفريقية وكتائب القذافي تطلق النار يمنة ويسرة، وأن معظم الإصابات التي وقعت كانت بالرصاص الحي الذي أصاب الشهداء في الصدر والعنق والرأس. أضف إلى ذلك فقد أكدت المصادر الطبية وشهود العيان أن من بين القتلى نسوة كن على شرفات بيوتهن وأطفال صغار لم يتجاوزوا خمسة عشر ربيعاً. وذكرت الأخبار الواردة من هناك أن الجيش يقصف بنغازي بالصواريخ والقذائف المضادة للطائرات. أ فيقتل أبناء الشعب بالصواريخ والقذائف؟ وأين ضمير "الحكومة الثورية"، ولهذه الدرجة وصل الإجرام بحق المتظاهرين الذين يطالبون بالعدل والحرية.


فأي حكومة ثورية هذه تلك التي تدعي أن الحكم في ليبيا للشعب، وأن الثروات كلها في يد الشعب، وأين الزعيم القذافي عندما قال إن السر في ثورة مصر ومن قبلها ثورة تونس هو عدم حكم الشعب لنفسه كما هو الحال في ليبيا، فهل يقتل الشعب الليبي نفسه إذاً يا سيادة العقيد.


المجزرة التي تحدث اليوم في ليبيا لا يصدقها عقل، وهي تجري في ظل تكتيم إعلامي مطلق بعد عمليات مهولة من التضييق على الإعلاميين والمراسلين والتشويش على المحطات الفضائية وإغلاق الجزيرة نت. وفي ظل انتقادات لا قيمة لها من منظمات حقوق الإنسان وبعض الدول الغربية.
قبل أكثر من شهر، ناشدنا في مقالنا الرئيس المخلوع حسني مبارك بالتخلي فوراً عن الحكم والاستقالة، وحذرناه من مصير صاحبه بن علي، وكذلك فعل المحللون والكتاب والصحفيون. لكن الحكومة المصرية أصرت على مواقفها، وظهر أبو الغيط ليقول "تونس ليست مصر"، والكلام عن انتقال عدوى الثورة ما هو إلا كلام سخيف لا منطق فيه. لكن الشعب المصري قال كلمته وأطيح بالرئيس مبارك في صورة مطابقة لما حدث في تونس.
واليوم ننصح العقيد القذافي أن يستعجل بالتنحي عن الحكم وتقديم استقالته، وكما قلنا لمبارك نقول للقذافي، فإن استقلت اليوم أيها العقيد غفر لك الشعب ما تقدم من ذنبك، وسامحك، أما إن تمسكت بالكرسي وسفكت دماء الشعب من أجله فاعلم أنك إلى هلاك، ولن ينتصر إلا الشعب وهذه سنة الحياة، لأن الطغاة إلى زوال. فرحيلك اليوم يضمن لك عدم الملاحقة وستجد لك مكاناً يأويك على أرض ليبيا، أما تمسكك بالقتل والترهيب فلن يزيد الجماهير إلا إصراراً على رحيلك، فاحقن دماء شعبك وارحل.
عجيب أمر الزعماء العرب، فالقذافي هذا قضى عشرات السنين وهو يحاول أن يطور قنبلة نووية، ولكنه تخلى عنها بمنتهى السهولة وفككك المصانع وأعطى القطع لأمريكا، ويدعي الرجل أنه إمام المسلمين وحافظ العقيدة، في الوقت الذي يحارب الله ورسوله فيعترض على بعض آيات القرآن الكريم، ويطلب شطب بعضها ويزج بأبناء الشعب الليبي بالسجون خوفاً من توجهاتهم الإسلامية، ناهيك عن محاربة الحجاب واللحية وكل مظاهر التدين.
وفي الناحية السياسية يريد الزعيم أن تصبح فلسطين العربية " إسراطين" المشتركة بين الصهاينة والعرب. ولن أستفيض في ذكر أقواله وأفكاره التي تصدم كل ذي بصيرة.
اليوم، القذافي الذي حدثنا أربعين عاماً عن حكم الشعب وثروات الشعب والكتاب الأخضر والأبيض، وانتفاضة الشعوب وحقها في الثورة، يقمع بالصواريخ والقذائف مطالب الشعب بالتغيير والإصلاح السلمي، بل يريد أن يثبت لنفسه أولاً أنه مختلف عن صديقيه بن علي ومبارك، وأنه قادر على التمسك بالسلطة ولو أباد الشعب الليبي كله.


إن دماء الشهداء ستنتصر لا نشك بهذا، وإنما النصر صبر ساعة، فليصبر أبناء الشعب على هذه الثورة فلا بد أنها ستأتي بأكلها قريباً.
وإنني أناشد شبكة الجزيرة، العربية والإنكليزية والجزيرة نت، ألا تألو جهداً في تغطية الأحداث في ليبيا حتى يسمع العالم ويرى ما يحدث هناك، وإننا لا نقبل من الجزيرة أقلّ من المستوى الذي ظهرت فيه خلال تغطية ثورتي تونس ومصر. وإن كانت الحكومة الليبية تضيق على الإعلام، فإن الشعب الليبي الثائر سيتحول كله إلى مراسلين للجزيرة فيغذونها بكل جديد وبشكل فوري.
إن تغطية الجزيرة الآن لأحداث ليبيا سيساهم، دون أدنى شك، بحماية الشعب الليبي من الإبادة الجماعية التي يتعرض لها، وهذا هو بالضبط الواجب المنوط بعمل الإعلاميين في هذا الوقت بالذات، وهو ما يأمله الشارع العربي بكل أطيافه.
كما نناشد الجزيرة أن تلتقي بالمحللين والسياسيين المهتمين بالشأن الليبي للتعليق على الأحداث. ولا يصح أبداً، لا موضوعياً ولا مهنياً، أن يختلف زخم تغطية القناة بين تونس ومصر من جهة وليبيا من جهة أخرى، وإني لأعتقد أن الجزيرة ستنحاز مرة جديدة إلى مطالب المضطهدين كما فعلت من قبل ولتلك مندوحة ستذكرها الشعوب على مر الأجيال.

(104)    هل أعجبتك المقالة (111)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي