أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

قناة الجزيرة وعلبه الثقاب .. ايوب الغنيمات

على مر خمسة عشر عاما هي عمر قناة (الجزيرة) شكلت فيها حالة غير مسبوقة وظاهرة ينبغي التوقف عنها كثيرا وطويلا، وعبر تلك المسيرة كونت تلك المحطة الرائدة جدار صلبا من المناهضين لها وجدار هلاميا من المؤيدين لها، وكانت وما زالت حديث الشارع في كل مكان فوظفت الحكومات العربية (الرشيدة) أموالا رهيبة لخلق قنوات منافسة تعيد المشاهد العربي إلى رشده والطريق السوي، وتحارب ما أفسدته قناة الجزيرة بسياستها الغوغائية التي تقوم على الفتنة والدسائس والأكاذيب، غير أن أموال الشعب (مثل كل مرة) ذهبت أدراج الرياح.

فلقد أشارات العديد من الاستطلاعات والصحف وآخرها صحيفة ذي غارديان البريطانية إلى ازدياد عدد متابعيها لها بصورة تفوق الحصر، بل إنها دخلت كتاب غنيس للأرقام القياسية بعدد المشاهدين لها في مكان واحد وهو ميدان التحرير وحده.

طريق الجزيرة لم تكن دائما معبدة بالورود، فكان هناك قصف، وتحطيم للكاميرات، وخطف لمحرريها، وقنص لمراسليها من على أسطح البنايات، وانتقلت عند البعض من مرابع الوطنية والقومية المفرطة إلى مواخير الخيانة والعمالة، بل قيل فيها ما لم يقله مالك في الخمر.

يسجل (للجزيرة) أنها فتحت الباب على مصراعيه لزوال الأنظمة الإعلامية المتخلفة التي تقوم على مبدأ الطبل والزمر بسبب وبدون سبب عند فتح شارع أو إنشاء مدرسة أو.. فالمعروف عن العرب حبهم المفرط لتلك الآلة الموسيقية (الطبل) والتي شاركتهم حروبهم وهزائمهم المتكررة، وكان الطبل قائد جوقة الفرح عند الانتصار -إن حصل- في حلقات الدبكة.

الجزيرة رغم إغلاق مكاتبها ومصادرة حقوقها والتعتيم عليها وضرب مراسليها ومحاصرتها من قبل إدارة النيل سات، إلا أنها بتغطيتها المحترفة للوضع في تونس أولا ثم في مصر قدمت نقلة نوعية في الإعلام العربي، جعلت الناس يغضون الطرف عن أكثر من عشرين محطة تلفزيونية مصرية وأكثر من 70 محطة تلفزيونية عربية، فلقد أصبحت الجزيرة قناة مصر الأولى، فتحول المصريون الذين يفترشون الأرض ويلتحفون السماء في ميدان التحرير إلى مراسلين لتلك القناة ونصبوا لها شاشات في وسط الميدان، فالتغطية التي تقوم بها الجزيرة ليست محايدة مطلقا، بل إنها تمتلك أجندة سياسية واضحة المعالم، فهل يجب أن تكون الجزيرة على مسافة واحدة بين المظلوم والظالم وما بين القاتل والمقتول، وهل المهنية الإعلامية تعني أن تكون الجزيرة على مسافة واحدة بين الفلسطينيين والصهاينة حتى يصفق لها وترفع لها القبعات احتراما.

نعم قناة الجزيرة قناة منحازة مئة بالمائة، فلقد جعلت العرب حكاما ومحكومين يحسبون لها ألف حساب، فتلك المحطة (الجزيرة) خلقت حالة من الإدراك والوعي السياسي والاجتماعي والاقتصادي عند الشعوب العربية بصورة لم يسبقها إليها احد من قبل، وتجاوزت كل الخطوط الحمراء التي وضعت لها، وما عاد إعلامنا العربي قبل الجزيرة وبعدها سواء.

لقد ولى الزمان الذي كانت محطة بي بي سي وإذاعة صوت "إسرائيل" تملكان زمام المبادرة، وكانتا تشكلان المصدر الأول والصادق للمعلومة فيما يتعلق بنا، فبالأمس القريب منعت قناة الجزيرة في تونس فبقيت الجزيرة وهرب من هرب، واليوم منعت في مصر فما رحلت الجزيرة وتنحى من تنحى .

ومن عجائب الصدف أن الرئيس المصري مبارك ( المخلوع ) وصف قناة الجزيرة ذات يوم بعد زيارة استكشافية لها بأنها علبة (عود ثقاب) كناية عن أنها صغيرة ووضيعة. غير أن عود الثقاب هذا أشعل النار يوم أمس في البوعزيزي في تونس واليوم في ميدان التحرير، وغدا الله اعلم.

 

(95)    هل أعجبتك المقالة (98)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي