أنكرَ أكابرُ العلماءِ على المتصوفةِ استخدامهم لألفاظِ العشقِ والغرامِ بحق اللهِ سبحانهُ وتعالى ، وذلكَ لأنَّ حب الله هو حب المخلوق للخالق منزه عن حب المخلوق للمخلوق ولا يجوز تشبيهه به (الذكر والأنثى على وجه التحديد) ولا حتى مقارنته به.
وكذلك حب الإنسان لإنسان آخر من بني جنسه (ذكر لذكر أو أنثى لأنثى) أو حيوان أو جماد تستنكر الطباع السليمة وصفه بأوصاف الحب الحقيقي الطبيعي (الذكر والانثى) وإن كان يأبى الشاذون ،وقد يتطور هذا الحب الطبيعي أو الغير طبيعي ليصبح مرض من الأمراض ، وهناك العديد من الأمراض النفسية والجنسية ما هي إلا نوع من أنواع الحب يختصر بالإدمان على عادة معينة، وعرف بعض العلماء الفلاسفة العشق بأنه مرض إدمان.
فإنكار العلماء لاستخدام ألفاظ العشق والغرام بحق الله ،أتى تنزيهاً لله سبحانه وتعالى عن المخلوق وصفاته ،وإنكار الطباع السليمة للمغالاة في الحب والعشق للمخلوقات (بشر أو حجر) أتى لينأى بالإنسان أن يصل لعبودية غير الله ،فالعبادة تعرف باللغة أنها آخر درجات الحب وأسماها وقد درج على ألسن العامة هذه الكلمة للتعبير عن ذلك فوصفت أم كلثوم بمعبودة الجماهير كما قد يتم تبادل الكلمة بين عاشقين وصلا لحالة من السكر بسبب خمرة الحب.
وكما كافة المذاهب والفلسفات فالحركة الصوفية تتطور لتدخل مجال السياسة فيبرز فئة من المتصوفة تؤله الحجر والبشر بسبب الانتماء السياسي أو لأغراض سياسية ،وأعتقد أنها حالة مرضية و نستطيع مقاربة حب الحجر (الأرض) مع المصطلح السياسي الاجتماعي "الشيفونية" وهي المغالاة بحب الوطن بشكل سلبي ولو على حساب المواطنين ،وإن كانت الشيفونية تكاد تكون معدومة بوقتنا الحالي لاختلال واضح في تعريف الوطن وانعدام إمكانية رؤيته بشكل منفصل عن الشخص والحكومات والأنظمة والسياسات.
أما حب البشر فأقترح تسميته بالتصوف السياسي فالتشابه بين التصوف الديني والتصوف السياسي يأتي من:
أولا - الغنوصية (الغموض) فهناك أسرار داخلية لا يعرفها أحد تدفع لهذا التصوف (مصالح شخصية – قلة وعي – ثقافة طائفية – عدم نضوج فكري – شعور بالخطر)، أسباب نفسية داخلية وأخرى مادية خارجية يكتنفها الغموض لأنه في حال انكشافها فهي كفيلة لتعرية حقيقة هذا الحب الوهمي الذي سينهار بمجرد انتفاء المصلحة أو وجود مصلحة أكبر.
ثانيا – وحدة الوجود وهي صوفياً تعني اتحاد المخلوق والخالق و سياسيا يتم الخلط بين الشخص والوطن ويتم الفصل بين الوطن والبشر الذين يتشاركونه ليتم اختصار الوطن بشخص وتعميم الشخص على كل الوطن ،بل وحتى عقيدة الحلول التي تقول بحلول الله وتمثله ببعض المخلوقات فسياسياً يحل الفرد في كل المنجزات والهبات والعاطاءات فمجهود المجموع مختصر بالفرد وخيرات البلاد والعباد هي من إنتاج الفرد الذي تجلى بأسمى أياته.
أما الفرق فهو بأن التصوف الديني يتدرج من المغالاة بعبادة الله والشطح بها إلى تأليه الذات بإعطائها الصفة الإلهية عن طريق وحدة الوجود والحلول في أقصى درجات الغلو ولكن يبقى المصدر هو الله الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد ،بينما التصوف السياسي فهو متعلق بفرد واحد أحد ورث الألوهية من الأب وسيورثها للولد.
الله الوطن الملك
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية