دكتوراه في الإعلام- فرنسا :
أربعة شهداء سقطوا في مصر في يوم واحد، واعتقال خمسمائة محتج، والهجوم على المتظاهرين بالغاز المسيل للدموع، وضرب بالهراوات، واعتداء على الصحفيين والمحامين، واستخدام مياه المجاري القذرة لتفريق المتظاهرين، ورصاص مطاطي ضد الشعب، وإذا ظننت أن ذلك يحدث في فلسطين المحتلة، فأنت مخطئ فهذا يحدث في مصر، وضد الشعب المصري، الشعب العربي العريق الذي نافس نجوم السماء في كل ميدان.
القتلة ليسوا صهاينة، بل هم أشد من الصهاينة، إذ عندما يعتدي الصهيوني على الفلسطيني فلأنه عدوه يريد أن يقضي عليه ويحتل أرضه وبيته، وكذلك عندما يعتدي الإرهابي الأمريكي على العراقي، فلأنه يحقد عليه ويعتبره عدوه، أما عندما يعتدي حسني مبارك، رئيس مصر على شعب مصر، وعندما يعتدي حبيب العدلي الوزير المصري على إخوانه المصريين، فهل هؤلاء القتلة هم مصريون؟ أم صهاينة، بل هم للمرة الألف أشد إجراماً من الصهاينة. لم يسلم من شرهم أحد، المحامون ضربوا وأهينوا، والمفكرون أيضاً وقيادات الأحزاب، والخلق كلهم كذلك. آلة البطش الحكومية المصرية، لا تفرق ولا ترى، تضرب الجميع، وتستخدم الرصاص المطاطي لقتل الجماهير المضطهدة التي خرجت تطالب بحقها المسلوب منذ ثلاثين عاماً.
لم يكف الحكومة المصرية، إجرامها بحق أهل غزة، وتأمرها الدنيء على أطفال فلسطين وشيوخها، ومرضاها، ولم يكف الرئيس المصري، أن يتآمر مع ليفني على حماس، ويشجع الصهاينة على القضاء عليها، ويذهب عمرو سليمان، ليشرح للصهاينة كيفية التخلص من المقاومة الفلسطينية، وينتصر أبو الغيط للكيان الصهيوني على حساب الأمة العربية والإسلامية، فيستقبل الصهاينة بالأحضان ويتوعد الغزاويين بتكسير الأرجل.
لم يكف الحكومة المصرية كل ذلك، فذهبت تقتل بشعبها، تريد أن تستعبده وتركعه بالقوة على نظام أفلام السينما الرخيصة.
يظن حسني مبارك نفسه إلهاً، ولا يعتقد أن بمقدور هذا الشعب أن ينتفض ويُلحق الرئيس بزميله بن علي إلى جدة. فينقطع كصاحبه لأداء العمرة والطواف.
يعتقد الرئيس، أن الشعب كله في قبضته، ولا يستطيع أن يتنفس الهواء إلا بأمره. وإلى متى أيها الرئيس.
لقد رأى حسني مبارك بأم عينيه ما يحدث اليوم في مصر، ولعله فهم، أن الشعب المصري فضلاً على العربي مجمع على كرهه وإدانته، وأن ثكلى فلسطين ويتامى غزة، ومشردو مصر، يدعون الليل النهار يريدون أن يتخلصوا من هذا الفرعون إلى غير رجعة.
غريب أمر هذا الرئيس، لم ألتق مصرياً إلا ورأيته يحقد على هذا الرجل، ويتمنى رحيله، وهو متشبث بالكرسي كتشبث الطفل بثوب أمه. حكم البلاد ثلاثين سنة، خضع خلالها خضوعاً مطلقاً للصهاينة والأمريكان، فأفسد البلاد وظلم العباد، وكل ذلك تحت أكذوبة التنمية التي لم يتحقق منها شيء، ففي عهده، ازداد الفقر، وعمّت البطالة وضعف الجنيه المصري، ووصلت كيلو الطماطم إلى أربعة عشر جنيهاً، في الوقت الذي لا يزيد فيه راتب كثير من المصريين على خمسمائة جنيه.
في عهد هذا الرئيس، عاث الصهاينة فساداً في أرض مصر المباركة، وبيع الغاز للكيان الصهيوني بخمس ثمنه، ووقف الحاكم المصري جندياُ يحمي غاصب فلسطين، وطورد المسلمين، وروقبت المساجد، وشُنت حرب على المصلين وعلى الإسلام عموماً.
غرقت العبارات، واحترقت القطارات، وسرقت الوزارات، واستشهد آلاف المصريين دون حرب، وكل ذلك باسم التنمية.
وبعد ذلك يستجدي الحزب الحاكم اليوم الشعب المصري العظيم، يقول له لقد فهمنا مطالبكم، تماماً كما فعل طاغية تونس المطارد اليوم في كل مكان. ما معنى هذه الجملة" فهمنا مطالبكم".

أ بعد ثلاثين سنة من الحكم فهم الرئيس مطالب شعبه، هل كان أحمقاً قبل ذلك فلم يفهم، أم أنه تحامق كل هذه الفترة وبدأ يشعر اليوم بالحبل يلتف حول عنقه.
الرئيس مبارك مطالب اليوم قبل غد أن يحفظ كرامته الشخصية، ويستقيل فوراً من قيادة شعب هو أكبر بكثير منه ومن حكومته. مطالب بهذا كي لا يلقى مصير زميله زين العابدين الهارب. ولئن تنحى حسني مبارك اليوم بإرادته عن حكم مصر، فلن ينسى الشعب المصري المتسامح هذه المندوحة له، وسيغفر له كل ماضيه الأسود. ولعمري فإن هذا خير ألف مرة من أن يطيح الشعب به، فلا يجد أرضاً تقله أو سماء تظله.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية