أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الأم التونسية منوبيا البوعزيزي قدمت الدرس الأول في الكرامة .. محمد جمول

في لقاء لها مع صحيفة " ذي إندبندنت" البريطانية، تقول منوبيا البوعزيزي، والدة محمد البوعزيزي الذي أضاء بجسده الطريق أمام ملايين البشر من العرب القابعين في ظلمات أقبية نفوسهم أو في أقبية حكامهم، " فقدت ولدي، لكني فخورة بما فعل".
وقصة البوعزيزي كما ترويها الصحيفة على لسان والدته أنه حصل على قرض من أحد البنوك وعجز عن تسديده، فاستولى البنك على الأرض التي كان يعيش مما تنتجه من زيتون ولوز. وحين حاول تحصيل لقمة العيش لأخوته ووالدته بالعمل كبائع جوال، تعرض للإهانة والصفع على وجهه من الشرطية فداء حمدي. فلم يبق أمامه إلا أن يفعل ما فعل ليفتح الطريق أمام بقية العائلات التي خسرت أرضها مثله ووجدت الطرق كلها مسدودة في وجهها.
هل يفهم حكامنا الرسالة التي وجهها لهم الطاغية زين العابدين بن علي مثلما فهم كثير من الشباب العرب رسالة محمد البوعزيزي، وكما يمكن أن تفهم كثير من الأمهات رسالة والدته منوبيا البوعزيزي. فكم من أبناء هذه الأمة ودّعوا الأمل ونسوه في مواجهة ما لديهم من أمثال بن علي وزوجته ليلى الطرابلسي وأقاربهما الذين حوّلوا تونس إلى مزرعة يحددون من يحق له العمل بها من أبناء تونس ومن لا يحق له العمل فيها؟ وكم كن أبناء هذه الإمة يتلقون الصفعات وأكثر على وجوههم وعلى كل أجسادهم؟
كم لدينا في البلدان العربية من أمثال هذه المزرعة المغلقة؟ وكم لدينا من أمثال بن علي ممن يعتقدون أن بإمكانهم الاستفادة من تجربته لتلافي الوصول إلى النتيجة ذاتها إما عن طريق حل مشكلات الشباب من أمثال البوعزيزي، وإما عن طريق التذاكي وإقناع أنفسهم أن ذكاءهم يمكّنهم من الاستمرار في التصرف على طريقة بن علي بزيادة جرعات النهب والتعذيب والحرمان والقهر لشعوبهم من دون مواجهة المصير ذاته؟
كم عدد الذين تعرضوا ويتعرضون كل يوم لظلم الأنظمة العربية وأجهزتها الأمنية وأصحاب الحظوة من موظفيها وأقاربها في حالة من غياب الحرية والقوانين التي تضمن حصول المظلومين على حقوقهم؟ وكم عدد الذين يرفض المسؤولون الكبار والصغار سماع شكاويهم، ولا يهتمون بما تعرضوا له من ظلم وقهر؟ وكم عدد الذين عاشوا اللحظات التي سبقت إقدام محمد البوعزيزي على حرق نفسه، وكم منهم سوف يستلهمون اللحظة التي تحول فيها إلى منارة وملهِم ومرشد إلى طريق تهديم الهياكل المقدسة وطرد اللصوص الذين استولوا عليها؟ وكم من المواطنين في بلداننا لا يستطيعون الحصول على حق من حقوقهم إلا بعد ما يدفعون ما فوقهم وتحتهم على شكل رشوة؟ وفي كثير من الأحوال لا يمتلكون ما يكفي لتقديمه. وكم هم الشباب الذين حصلوا على الشهادات الجامعية أو غيرها ليجدوا أنفسهم بلا عمل ولا أمل في الحصول على بيت ولوا عملوا كل حياتهم ليلا نهارا؟
لقد أعطى الشعب التونسي درسه للعالم كله وللوطن العربي تحديدا. وكثير من الشعوب صارت تعرف الطريق، وقريبا ستنطلق عليه نحو طرد طغاتها واستعادة الحياة على أرضية المواطنة وفي ظل القانون ومن دون سيارات مفخخة أو تفجيرات تحصد الجميع من دون استثناء.
هنا تكمن أهمية التجربة التونسية ووعي الشعب التونسي الذي سعى زين العابدين بن علي جاهدا، وحتى آخر لحظة، لتصويره بأنه مجموعة إرهابيين وملثمين يريدون تدمير البلاد. لقد أكد التونسيون أن بالإمكان العمل للعيش بكرامة وعزة "في سبيل الله" بدلا من الموت والقتل" في سبيل الله". وأثبتوا أن إسقاط الطغيان والظلم في الداخل ممكن تماما مثلما أثبتت المقاومة اللبنانية في حرب تموز 2006 وقبلها أن بإمكان الشعوب إذلال الأعداء الخارجيين مهما تكاتفوا وحشدوا من القوة العسكرية والمعنوية. أثبتت هاتان التجربتان أن الحياة الكريمة ممكنة وأن الثمن الذي يدفعه المرء في المواجهة للدفاع عن كرامته أقل بكثير مما يخسره بخنوعه واستسلامه للخوف من عدوه.
وما نأمله أن يستخلص أمثال بن علي العبَر والدروس مما جرى ويجري في تونس وأن ينتبهوا إلى ما يجري حول قصورهم وقصور أعوانهم وأقاربهم وأزلامهم ليدركوا أن ما في بلدانهم من الموارد يكفي لتأمين العيش الكريم لأبناء هذه الشعوب على أن يغيروا نظرتهم إلى بلدانهم والكف عن اعتبارها ملكا شخصيا لهم يمكنهم حرمان من يريدون وإعطاء من يريدون. سيكون هذا في مصلحتهم ومصلحة شعوبهم لأن مدينة جدة السعودية لن تستطيع استقبالهم جميعا. وقد باتوا على علم أن الغرب الذي حماهم على عروشهم وشجعهم على النهب وإيداع الأموال المنهوبة في بنوكه لن يستقبلهم بعد انتهاء صلاحياتهم وتحوّلهم إلى نفايات، وأنهم ليسوا أغلى من شاه إيران وعيدي أمين وزين العابدين بن علي. فليس من مصلحتهم أن تصبح لحظة استشهاد البوعزيزي ظاهرة عربية. ولا نريد لحكامنا أن ترفضهم المنافي بعدما استنزفوا الأوطان وحوّلوها إلى أرض معادية لهم. فهذه الأوطان تتسع للجميع من دون قهر وفساد ونهب ومن دون أن تتحول إلى محرقة لأبنائها. وهناك خيار ثالث قد يكون في صالح الجميع.فالمطلوب هو القضاء على الظلم وليس قتل الظالم.

(104)    هل أعجبتك المقالة (96)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي