أنها تعبة ,لكنها قررت الخروج إلى السوق تلك الأم المجاهدة بعدما تركت باب دارها مفتوحا متأكدة أن زوجها آت لا ريب بعد انتهاء ليلته في الحراسة ,بلعت ريقها وصاحت بصوت سمعه من في الزقاق
_سناء هيا انهضي ,أباك على قدوم ..
ما آن وصلت إلى نهاية الزقاق المغلق أقفلت سناء باب البيت وفي رأسها شيئا يدور ,وحكت بأطراف أصابعها زندها العاري ,وعلى صدرها تتحرك تلك القلادة التي قبلتها كهدية من حبيبها الذي ستراه بعد دقائق حينما تصعد بخطوات بطيئة عبر السلم المحطمة درجاته ,بالكاد ستكون في السطح ,وتبدأ الحديث الشيق مع حبيبها الذي لم يترك ضرباته بالكرة الزرقاء على الحائط الفاصل بينهما ليخبرها بانه موجود وعليها ان تبدا الحديث .كان هذا الأمر في غاية البساطة آلا انه صعبا جدا لو عرف به احد غيرهما .مر على هذه الصورة أكثر من فصلين متعاقبين ولم يلاحظهما احد لقد كبرت أحلامهما وكان يمنعهما هذا الجدار الذي أعيد بنائه لمرات عديدة أن يلتقيا حقا وحقيقة ,لم تكن النوايا سيئة كما سيتخيل لان هذه العلاقة نظيفة وبريئة وليس فيها شوائب , تهدج صوتها قائلة
_أنا متعبة ,فليلة امس لم أذوق النوم
اجابها بصوت متقطع
_هل أنت مريضة
تأخرت عن الإجابة ,بينما راح يضرب الجدار بالكرة الزرقاء ليحصل جواب سؤاله,قال لها
_ما بك تأخرت بالكلام ..
مشاعرها الجياشة تصطدم بالحاجز الذي يفرقهما حتى قالت
_أني لست مريضة ,بل متعبة ..
جاء الجواب بطيئا
_أذن ما بك ,بماذا تحسي ؟
سماء اليوم لها زرقة خريفية باهتة وعينهما لتلك الطيور التي ترفرف
بأجنحتها سابحة في فضاء متسع , لم تصبر سناء حملت حجارة صغيرة ورمتها عبر الجدار للجهة الثانية ,لم تحس ألا في اللحظة التي رمتها عسى أن تقع على رأس حبيبها فقالت مستعجلة
_احذر لقد رميتك بحجارة ..
لا تعرف أين استقرت لكنها فرحت حينما جاء الصوت
_لم تسددي بدقة...
ضحكت وخافت وتوردت خدودها وحركت خصلات شعرها وتلمست بيديها تلك القلادة المتراقصة على صدرها ,ثم نطقت
_اه..أني أمسكت بك..
ذهل الحبيب ,كيف أمسكت به وبينهما هذا الحاجز المانع ,اقترب أليه مسرعا وتمتم بكلمات
_سناء..كيف قدرتي الإمساك بي ؟
أغمضت عينيها واستجابت لحلم يتراقص في ذاكرتها
_أنها القلادة أمسكت بها؟ هديتك يعني لم تفلت مني ..
ارتاح بعض لاكتشافه بأنها عرفت ألامساك به ,لم يخف يوما أن يراه احد رغم ان هناك السطوح المجاورة أعلى من سطح داريهما ,كل الحمائم الطائرة في مرمى بصره,اخذ يقفز بعده مرات فقد كان خفيف الوزن ,نحيف الشكل بائس مما يفعله بدون جدوى..لذا تراقصت الفكرة التي نامت في رأسه طيلة الليلة المنصرمة ان يطلب منها موعدا عند الخباز الذي لم يكن بعيدا فهو بأطراف الزقاق,وبصوت بدأت فيه البحة نطق
_أريد أن أراك؟ ارتجفت مما سمعته وإجابته
_هة ..بدأت تعرف بعض الشئ ..
سكت عدة لحظات ,وكأنه حرك الهم الجاثم فوق صدره
_أنا مشتاق إليك..
_أنا أراك كل يوم,أراك حينما اسمع صوتك يلهمني, ..
_سناء...
_ما بك؟
_ماذا قلت وجوابك
_لست اقدر لان هذا يسبب المتاعب ,.
أحس بطعم المرارة ,وكأنه قيد حقيقة لا يمكن الهروب منها ,أنها لازمته لسنتين منذ أن بدأت العلاقة بينهما ,ولأكثر من مرة تأزمت ووصلت ذروتها لكن سرعان ما تعود .لان الصدق واضح في قصة الحب التي تربطهما ,رغم أن بقائها ساكتة ,ساكنة لكن ملامح الحزن لم يفارق وجهها أبدا,ونفسها المكابرة لم يمسها الضعف يوما ,وجهه الذي ظهرت فوقه سمات التعب والإرهاق فلن ينقطع الضرب بقدميه على الحائط.. طالبا الجواب الذي ينتظره بفارغ الصبر, يضيق ويتسع الفناء ,حتى أيقن أخيرا أن همهمة غامضة دفعها مع زفيره في الهواء
كانت سناء ترتقبها بعد أن سمعت صوتها اخترق هذا الحاجز ,شعرت بوحدتها ,بعد ما غرقت في نفس الظلمة التي حاله يرثى لها بالأمس حينما كانت الشمس
بالخيوط الصفراء قد حزنت وذابت إلى حمرة غروب حزين ,إلى متى ستبقى هكذا ؟فخرجت كلماتها من فمها بلا فهم وتفكير
_سأراك غدا عند الخباز.....أني موافقة ..
هرولت عائدة إلى أسفل الدار بعدما سمعت ضربات سريعة على بابه,فتحت الباب في عجل ونطقت ة مذعورة خائفة
_سامحني يا أبتي كنت عند السطح
اجابها في صوت عصبي
_وماذا تفعلين
أنظفه...
لم يأبه والدها للكلام الذي قالته أساسا بل دخل غرفته ليستريح ,عند عتبة بابها وقفت سناء قائلة
__الم احضر لك الفطور اجابها واستدار برأسه الى الحائط
_لا أريد سوى قسطا من النوم.
لم تتحرك خطوة من أمامه بل راحت تلاعب أطراف قلادتها الغالية على نفسها
بصوت لم تسمعه سواها
_متى يأت الغد ؟لأراك عند الخباز.................
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية