دكتوراه في الإعلام - فرنسا
فعلها الشعب التونسي البطل، تضحيات ودماء، لكنها أزهرت ثم أثمرت خبراً لم نر أعظم منه منذ أكثر من أربعين عاماً، لأول مرة نتراكض لنستمع إلى نشرات الأخبار، ونتابع الصور الواردة من تونس لحظة بلحظة، أول مرة نلصق أجهزة الهواتف المحولة على آذاننا، نتناقل الأخبار والقصص والحكايات بل والإشاعات عن رحيل الطاغية.
فعلها التونسيون، وما ظننت أن يفعلوها أبداً، شعب مسالم، مبتسم ضحوك، يتكلم بدبلوماسية فائقة، ويتحمل وزر غيره دون انتقاد ولا تعليق. لكنه فعلها، وأطاح برأس الظلم. فالظلم في تونس لا يحتمل، ليس فقط خبز وماء وارتفاع في الأسعار، بل إهانة لكرامة الإنسان واختطاف لحريته وتنكيل به وتضييق على معتقده.
لهذا لم يصبر التونسيون وأشعلوها ثورة عربية خالصة، دون تدخل أجنبي ودون تحريض من أحد، لم يسقطوا زين العابدين وحده، بل فتحو الطريق لإسقاط غيره، بل أسقطوا فكراً خبيثاً تدعمه حضارة اللواط الأوروبية التي لا تسعى إلا لتدمير الإسلام وخنق المسلمين.
في تونس بن علي، يكفي أن تقول كلمة التوحيد حتى تتهمك الحكومة بالرجعية والإرهاب والتآمر، وحتى تدخل السجن الذي قد لا تخرج منه أبداً.
التونسيون حرموا في عهد هذا الرئيس من حق الاعتقاد، فيجب عليك أيها التونسي، أن تعتقد أن الصيام يعرقل النشاط، وأن الدولة ستخسر بسبب صيام المسلمين، وأن توحيد الله يضر بمصلحة الشعب، أما الصلوات في المساجد، فهي خطر على البشرية جمعاء، ولذلك تستدعيك قوى الأمن، لتحقق في أهداف صلاتك، ولتتأكد من الجهة التي تصلي إليها.
في تونس تمنع المرأة من حق اللباس، فإن تحجبت أو احتشمت لا تستطيع أن تلد في المشفى الحكومي، ولا يحق لها التعليم في المدارس، بل ولا يحق لها التعلم أصلاً. فالحجاب يهدد حكم زين العابدين بن علي.
إذا كنت تتردد على المساجد فاعلم أن بطاقتك الشخصية ستصادر، وعليك المرور كل صباح ومساء إلى أقسام الأمن، ليتأكدوا أنك لست إرهابياً.
ومنع زين العابدين اللحية على الرجال في تونس، وتكلم فيها رجاله المخلصون أكثر مما تكلم مالك في الخمر، فعصابات الأمن التونسية في المطار تقول لك أيها التونسي، نظف وجهك من هذا الأوساخ قبل أن تدخل البلاد، وإلا حجزنا جواز سفرك وبطاقتك الشخصية ولن تغادر مرة أخرى.
التوحيد التهمة، والصلاة تهمة، والحجاب تهمة واللحية تهمة، وإذا قبض رجال الأمن على رجل وزوجته الثانية، أدخلوه السجن بلا رحمة، ولكنه ينجو من السجن بكلمة واحدة، أن يقول لهؤلاء القوم: هذه خليلتي وليست زوجتي فأنا زان وهي زانية، هنا فقط يعتذر الجنود للرجل المتحرر بل ويقربوه من النظام.
حرص النظام التونسي منذ زمن بو رقيبة، على نشر الفساد وإذلال العباد، وقهر المسلمين، والتنكيل بهم بلا رحمة، كم من تونسي هجر بلاده وعاش في أوروباً مكلوماً مع أنه لم يفعل شيئاً ولم يدعو إلى فتنة ولم يشهر سيفاً، لكنه كان مصلياً، بل ربما كان أقل من ذلك، فلا يقوم بالمنكرات التي يريد النظام زرعها في تونس.
ظنت القيادة التونسية الفاسدة، أنه لا رجال في تونس، وأن زين العابدين وأبناءه وأصهاره وزوجته يستطيعون أن يركبوا على ظهور الخلق، وما عرفوا التاريخ وما فهموا أسراره، ما عرفوا أن دولة الظلم ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة.
انتشر الفساد في تونس كلها، محلات الخمور والعربدة في كل مكان، والدين محاصر، الكتب ممنوعة إلا ما كان منها مفسداً، وتدور أرض تونس كلها تبحث عن تفسير ابن كثير أو القرطبي فما تجده. أرادت الحكومة أن تجفف منابع العلم والتعلم، وتزيد في الوقت نفسه من أسالب الإفساد، ومن نشر العهر والرذيلة والقضاء على الروحانية بكل أشكالها.
لقد أخطأ بن علي عندما ظن أنه دجن الشعب التونسي وسيطر عليه، وهذا دليلنا ناصعاً، فقد أخرج الشعب التونسي جلاده من الحكم في ثورة شعبية خالصة غير مدعومة من أحد، ولا مسنودة من أي جهة خارجية. لقد قالها أبو القاسم الشابي" ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر، وانكسر القيد وهبت تونس برجالها ونساءها تصارع الفاسد، وتثأر منه.
التونسيون اليوم يفتحون باب الحرية على مصراعيه ليس أمامهم فقط بل أمام الشعوب العربية المسحوقة، بدأها التونسيون ولن تتوقف عند حدود بلدهم الذي بحجم الورد، بل ستتطاير الأخبار في كل مكان، وستسقي دماء الرجال شجرات الحرية في كل بلاد القهر والاستبداد.
أرى اليوم الرئيس التونسي الهارب مذموماً مخذولاً ، فقد حارب الله ورسوله، حتى تجرأ على الآذان وعلى الصلاة، وعلى الحج أيضاً، وكانت هذه عاقبته، فقد فر ذليلاً، ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله، ولم تنفعه حضارة اللواط التي كان يسعى لنشرها في البلاد، بل تبرأ أصحابه منه، "ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي".
هنيئاً لشعب تونس ما فعل، والنصر الذي حقق، حتى أصبح اليوم مثلاً لطلاب الحرية، والباحثين عن الانعتاق، ولعمري فإنها لفرصة كبيرة أمام القادة العرب ليصححوا المسيرة، ولينظروا إلى حاجات شعوبهم وأحلامها، قبل أن تنتقل الأفكار التونسية إلى تلك البلاد.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية