أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

القدس العربي : سورية 2010 أنجازت على صعيد العلاقات العربية العربية..

يعتقد العديد من المراقبين للوضع العام السوري داخليا وخارجيا أن العام المنصرم 2010 شد أزر السلطات وأعاد إليها "الثقة والكثير من الاسترخاء السياسي وسط هدوء سمح بالعودة إلى التوازن والتروي وان كان المشهد كله ليس ورديا أو كما تشتهي دمشق".
فمنذ مطلع العام الحالي، اتسمت الحركة الدبلوماسية والسياسية السورية بكثير من الدينامكية والبراجماتية في التعاطي مع القضايا والتحديات المطروحة أمامها، حيث طوت سوريا صفحة خلافاتها الماضية مع الاتحاد الأوروبي في معظم جوانبها مع إنها لم توقع على اتفاقية الشراكة الأوروبية، بل إن فرنسا عينت كلود كوسران مبعوثا خاصا لعملية السلام وقام بجولة استكشافية على كل من دمشق وتل أبيب واجتمع إلى كبار المسؤولين في البلدين في محاولة للعب دور الوسيط الذي يحفز الأطراف المتنازعة العودة إلى طاولة المفاوضات، وأعلنت كاثرين آشتون بعد مباحثاتها مع الرئيس الأسد في دمشق "إن السلام أولوية قصوى بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي " إلا أن جميع الأطراف يتحركون في إطار دور تكميلي مساعد لدور واشنطن الرئيس في عملية السلام.

وأنجزت سورية على صعيد علاقاتها العربية العربية، خطوات نوعية في عدد من الملفات الشائكة كما كانت العلاقة مع السعودية التي أوفدت وزير خارجيتها الأمير سعود الفيصل إلى دمشق ليعلن من دمشق "إن العمل العربي الجدي قد حان أوانه وان إسرائيل تعرقل عملية السلام وكل الملفات الساخنة على بساط البحث".

وبعد لقائه الرئيس بشار الاسد في الأسبوع الأول من العام الذي نودعه ، طار الأسد إلى الرياض وعقد مباحثات مع العاهل السعودي وصفت بالهامة في حياة البلدين ثم تبادل الزعيمان أكثر من زيارة كان أبرزها تلك التي ذهبا بها سوية وعلى متن الطائرة الملكية إلى لبنان في تموز/ يوليو الماضي بغية التأكيد على دور البلدين الفاعلين في ساحة الافرقاء اللبنانيين ومنع أي فتنة سنية شيعية تكاد تقترب من اللبنانيين على خلفية ترقب صدور قرار اتهامي ضد حزب الله الشيعي من المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي تحقق في جريمة اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري ورفاقه ، ورغم التقارب السعودي السوري إلا أن جفاء العلاقة السياسية بين القاهرة ودمشق بقي سيد الموقف وان كان جرى اتفاق في القمة العربية بسحب الخلافات العربية من التداول الإعلامي.

لكن الأبرز بالنسبة لدمشق هو "التحسن الخجول" في علاقتها مع واشنطن لأن ذلك من شأنه إزاحة القلق الرئيسي لدى دمشق بعدم العودة إلى "الممارسات العدوانية التي كانت تسلكها إدارة الرئيس جورج بوش التي فرضت عقوبات عدة وقوانين كبلت بها النظام السوري ولا تزال" حسب ما تقول بعض المصادر المعنية بالعلاقات الثنائية.

وبالرغم من أن الحوار السوري الأميركي بات قائما منذ وصول إدارة الرئيس بارك أوباما إلى البيت الأبيض لم تشهد السفارة الأميركية عودة السفير الذي عينه أوباما لأن "الكونجرس لم يعطي موافقته النهائية على عودة كاملة للعلاقات مع دمشق حتى الآن" كما هو شائع.

وفي عملية السلام أبقت واشنطن الاهتمام منصبا على المسار الفلسطيني الإسرائيلي إلا أن ذلك لم يمنع من التذكير بالمسار السوري والإيحاء بالاهتمام به من خلال زيارتين لمبعوث الإدارة الأميركية لعملية السلام السيناتور جورج ميتشل إلى سورية، ثم إيفاد مساعده فريديريك هوف مرات عدة في زيارات غير معلنة رسميا.

وكان واضحا منذ نهاية العام الماضي وبداية 2010 أن دمشق أعدت العدة لاستثمار كل دقيقة من "الزمن الذي عاد لصالحنا وانتهاء سنوات الأزمة أو العزلة التي فرضت على دمشق بين العام 2005 و2009 " كما يقول المسؤولون السوريون .

فقد شرعت سورية في برنامج زيارات رئاسية كثيف بعضه للتأكيد على علاقات تاريخية مع دول شقيقة وصديقة مثل زيارات الرئيس بشار الاسد إلى الدول العربية وكل من تركيا وإيران وبعض الدول الأجنبية الأخرى، وزيارات نوعية تحدث لأول مرة في الحياة السياسية السورية المعاصرة مثل جولة الاسد على عدد من دول أميركا اللاتينية التي تمت الصيف الماضي.

وفي أكثر الملفات الإقليمية سخونة، العراق ولبنان، بقيت سورية لا عبا أساسيا تصر على مصالحها وتعاند من يحاول إلغاء دورها أو تجاوزه، فهي استقبلت معظم الشخصيات السياسية العراقية ومن كل الأطياف واستبقت بذلك تشكيل حكومة نوري المالكي وطوت صفحة خلافات بين بغداد ودمشق تبادلا فيها الاتهامات والمسؤولية عن تفجيرات دامية قتلت وجرحت المئات من العراقيين.

كما يمكن اعتبار استقبال الرئيس الأسد للزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط حدثا مفصليا في هذا العام بعد قطيعة استمرت سنوات شابها دعوات متبادلة للقتل والخيانة وتم طي تلك الصفحة المتوترة بين الجانبين وعاد جنبلاط واعتذر من الرئيس الأسد والشعب السوري وقال أكثر من مرة "لقد عدت إلى تموضعي الطبيعي".

واستقطبت سوريا أعدادا كبيرة من مسيحيي لبنان والشرق عبر تأكيدها على أنها "واحة التعايش والإخاء والتسامح الديني الإسلامي المسيحي وأقامت احتفالية ضخمة بمناسبة بمرور 1600 عام على ولادة القديس مارون في منطقة براد بريف حلب.

وفي مسار العلاقة مع ألمانيا كان لافتا تلقي الرئيس الأسد رسالة شفهية من المستشارة إنجيلا ميركيل تتعلق بالوضع في المنطقة والعلاقات الثنائية والسلام وصفقة حماس والجندي الإسرائيلي المعتقل لديها جلعاد شاليط، نقلها المستشار كريستوف هينسينغ مستشار الشؤون الخارجية والأمنية للمستشارة الألمانية وذلك في الأيام الأولى من العام الجاري.

وتوافد عدد كبير من الرؤساء والملوك والزعماء العرب والأجانب والسياسيين على سوريا بينهم الرئيس الباكستاني والرئيس الايطالي وأمير الكويت والرئيس الارمني ورئيس وزراء تركيا والرئيس الإيراني ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأميركي جون كيري وعدد من أعضاء الكونجرس الأمريكي.

لكن الزيارة التي تعد استثنائية وتحدث لأول مرة في التاريخ هي زيارة رئيس روسي إلى بلد حليف، كان موطىء موسكو في المياه الدافئة واجتمع الرئيس ديمتري مدفيديف على مدى يومين بمضيفه الرئيس السوري بشار الأسد ، والزيارة التي تليها في الأهمية هي زيارة فرانسوا فيون رئيس الحكومة الفرنسية الذي وقع عدة اتفاقات تعاون مع الحكومة السورية.

وأدى توتر الأجواء بين سوريا وإسرائيل إلى اتهامات متبادلة ووصف وزير الخارجية السورية وليد المعلم إسرائيل بأنها "تلعب دور الزعران في المنطقة" واعتبرت سوريا أن "إسرائيل تشيع مناخ الحرب في المنطقة " كما ردت تل أبيب على دمشق بأنها " ستخسر الحرب والسلطة معا " وسارعت دمشق لعقد قمة ثنائية مع الرئيس الإيراني احمدي نجاد انضم إليها أمين عام حزب الله حسن نصرالله، كنوع من التذكير بموازين القوى والتحالفات.

وكعادة دمشق في استثمار كل الأوراق المتاحة فقد كانت قد استقبلت قبل قمتها مع نجاد و نصرالله وليم بيرنز على رأس وفد أمريكي أمني وسياسي دبلوماسي في مؤشر أولي لعودة علاقات التعاون الأمني بين واشنطن ودمشق منذ انقطاعها في عام 2003 إذ أعلن في دمشق أن وفدا أمريكيا سوريا يعنى بقضايا الإرهاب عقد اجتماعا في وزارة الخارجية السورية انضم إليه لا حقا جنرالات كبار في الهرم الأمني للسلطات الأمنية .

وشهدت الأجواء الإقليمية احتقانا على خلفية تحدي عدد من السفن يحملون نشطاء من جنسيات مختلفة توجهوا بحرا إلى غزة ناقلين مساعدات ومحاولين كسر الحصار على غزة لكنهم حوصروا في عرض البحر بنيران إسرائيلية وقتل تسعة متطوعين معظمهم أتراك كانوا على متن سفينة مرمرة وجرح حوالي 20 خلال إنزال مظلي فوق سفينتهم التي أقلتهم قبل وصولها إلى شواطئ غزة واقتياد حوالي 500 منهم إلى معتقل في منطقة أسدود .

أما على الصعيد الداخلي " فقد استمر الشعب السوري في محاولاته الناجحة حتى يستطيع التعايش مع طريقة تفكير وسلوك البعث الحاكم في البلاد ، منذ ما يقارب نصف قرن ، بصفته قائدا للدولة والمجتمع وفق المادة الثامنة من الدستور" كما يقول احد السياسيين .

ولكن أخطر ما شهده الوضع الداخلي خلال العام المنصرم موجة الجفاف التي اجتاحت بشكل خاص الأجزاء الشمالية الشرقية من سوريا وأدت لنزوح أكثر من مليون سوري إلى أحياء الصفيح والمخالفات والسكن في الخيم حول المدن الكبيرة

فضلا عن تزايد نسبة البطالة حسب الإحصاءات الرسمية إلى أكثر من 8 بالمئة بينما تشير الإحصاءات غير الحكومية إلى أنها تقترب من 20 بالمئة فعليا.

وأصبحت سوريا مستوردة للقمح ، فيما كانت سابقا مصدرة له ، مما قوض سياسة الحكومة الرامية لتحقيق اكتفاء ذاتي من الغذاء ، علما أن الزيادة السكانية هي الأكبر إذ تصل إلى2ر5 بالمئة ، كما أن متوسط دخل الفرد السوري بقي دون المئتي دولار في الشهر ، ولم يتطور وسط ارتفاع نسبة الفقر ليصل عدد الفقراء حسب تقرير حكومي سنوي إلى حوالي 8 ملايين من أصل حوالي 22 مليون نسمة في سوريا تواجههم تحديات كبيرة أبرزها الغلاء الفاحش وتأمين السكن ومصادر الطاقة والحاجة إلى عمل .

وتقول الحكومة السورية إنها حققت نجاحات على أكثر من صعيد في خطتها التي امتدت من العام 2005 و تنتهي العام الجاري بالرغم من كل التحديات التي واجهتها والتي لم تكن في الحسبان مثل الأزمة المالية وارتفاع أسعار النفط وقبل ذلك كله العزلة لعدة سنوات التي كان المجتمع الدولي فرضها على دمشق على خلفية الدور السوري في لبنان أو مواجهة إسقاط نظام صدام حسين في العراق .

وأجرى الأسد أول تعديل وزاري منفرد في حكومة ناجي العطري الحالية وعين سيدة على رأس وزارة الاقتصاد ، بينما أقال الاقتصادي البارز تيسير الرداوي من رئاسة هيئة تخطيط الدولة أثر انتقاده علنا أداء الفريق الاقتصادي في الحكومة كما أجرى الأسد تعديلا وزاريا ثانيا هذا العام طاول وزارتي الري والثقافة .

وعلى مستوى الحريات العامة لا تزال المنظمات الحقوقية تعتبر أنه لم يطرأ تطور نوعي في هذا الاتجاه ، إذ لا تزال السلطات تروج لأولية الأمن والاستقرار والتطور والانفتاح الاقتصادي ، كما أن سوريا لا تزال بلا قانون أحزاب حتى الآن .

ولأول مرة في سوريا تعترف السلطات السورية بالحاجة إلى مجتمع "مدني" حسبماأعلنت عقيلة الرئيس الأسد أسماء في كلمتها أمام مؤتمر " التنمية والمجتمع الأهلي في سورية "الذي انعقد مطلع العام.

ودخلت البلاد مرحلة من الشد والجذب بين عدد من المراجع الإسلامية المتنورين والمتشددين على خلفية تصريحات لمفتي سوريا احمد بدر الدين حسون الذي كان أشار أمام وفد أكاديمي أمريكي بان النبي محمد" نهى عن قتل اليهود والنصارى "وأقسم المفتي حسون بأنه "لو أمرني النبي بقتلهم لكفرت به".

وأصدر الرئيس بشار الأسد القانون رقم 17 للعام 2010 المتعلق بحقوق العمال وعلاقات العمل في القطاع الخاص والشركات العربية الاتحادية والأجنبية والقطاع التعاوني والقطاع المشترك غير المشمول بأحكام القانون الأساسي للعاملين بالحكومة.

كما اصدر قانون منع الاتجار بالبشر وقانون آخر جديد يسمح للأجانب بالتملك

وفي أول تجربة من نوعها اصدر الأسد مرسوما تشريعيا رقم (81) والقاضي بتأسيس الشركة السورية للاستثمار وهي شركة حكومية تعمل بقانون السوق ورأسمالها خمسة مليارات ليرة سورية ، بينما حلقت الدراما السورية إلى أفضل مستوياتها وطرح موضوعات جريئة وخلقت آلاف فرص العمل ودورة رأسمال تجاوز 50 مليون دولار.

وقبل أن تودع سوريا"عامها التي وضعت فيه نقاطها على حروف الآخرين" كما يقول بعض الدبلوماسيين العاملين في سوريا ، فقد أطلق الرئيس الأسد عددا من المواقف من بوابة الإليزيه بعد محادثاته مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الأسبوع الماضي ، خص بها المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وبعض الملفات الإقليمية والدولية الساخنة ، ثم عقد مقارنة بين الاهتمام السياسي لساركوزي واهتمام المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل موجها لها رسائل عدة عبر وسائل الإعلام الألمانية، فهل سيحمل العام 2001 حوارا " سياسيا " بين برلين ودمشق .

جوني عبو
(120)    هل أعجبتك المقالة (126)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي