أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

محمد منصور والتفريط بروح الكلام .. حسن م يوسف

نشرت جريدة 'القدس العربي' في الثاني والعشرين من كانون الأول/ديسمبر 2010 مقالاً بعنوان 'بالسوري الفصيح: ويكيليكس مؤامرة... وتمثيلية!' وقد قام السيد محمد منصور كاتب المقال، بتحريف ما ورد على لساني في برنامج 'الاتجاه المعاكس' كي يلائم غاياته التي لا تخفى.
رغم ذلك ترددت كثيراً قبل الشروع في كتابة هذه الكلمات، لقناعتي بأن قارئ 'القدس العربي' الذي شاهد برنامج 'الاتجاه المعاكس' يستطيع أن يحكم بنفسه على مصداقية مقال السيد منصور، إلاَّ أنني حسمت أمري احتراماً للحقيقة وللقراء الذين لم يشاهدوا الحلقة.
يقول السيد منصور: '...هكذا يعتقد السيد حسن م. يوسف، أن السيد أسانج كي يكون موضوعياً، يجب أن يرى الأمور من وجهة نظر دول الصمود والتصدي.. بحيث يفضح مصر الخانعة والسلطة المتخاذلة، ولا يسمح لنتنياهو أن يغتبط أو يعطيه فرصة ليشمت.. حسناً فليذهب كل هؤلاء إلى الجحيم، لكن بالله عليكم ما علاقة تسريبات ويكيليكس بهذه التجاذبات التي تخصنا نحن العرب.. هل كان أسانج في الربع مليون وثيقة مشغولا بالحفاظ على صورة الأنظمة العربية الخانعة التي يكرهها السيد حسن م يوسف؟'.
تعلمون أن الـ'اعتقاد' يتضمن الإيمان والتأكد، وقد سمح السيد منصور لنفسه باختراع 'معتقدات' مضحكة ألصقها بي كي يبرر أمام نفسه وقرائه تطاوله عليَّ من دون وجه حق، بل صاغ عنوانه بشكل ملتبس للإيحاء، لمن لا يعرفني، بأنني أمثل الخطاب الرسمي السوري، والسيد منصور يعلم جدياً وجيداً، أن هذا شرف لا أدعيه، فأنا كاتب مستقل انتخبت عدة مرات لتمثيل المستقلين في مجلس اتحاد الصحافيين السوريين.
يتساءل السيد منصور عن 'علاقة تسريبات ويكيليكس بهذه التجاذبات التي تخصنا نحن العرب.. هل كان أسانج في الربع مليون وثيقة مشغولا بالحفاظ على صورة الأنظمة العربية الخانعة التي يكرهها السيد حسن م يوسف'. والحق أن هذا السؤال لا يمكن أن يصدر إلا عن متجاهل أو جاهل. فعلاقة التسريبات هي أنها فاقمت التجاذبات، وأنا لم أشكك بالوثائق التي لم ينشر إلا أقل من عشرة بالمئة منها، لكنني اتهمت جهات النشر بالانتقائية. لقد قلت والكلام مثبت في موقع برنامج 'الاتجاه المعاكس' على 'الجزيرة نت': 'أعتقد أن هذه التسريبات قد تكون صحيحة، أنا لا أنفي صحتها ولكنها منتقاة، منتقاة تماما بحيث أن نتنياهو أعلن سروره واغتباطه لأن إسرائيل بكل بساطة خرجت الرابح الأساسي، على الرغم من أن إسرائيل ماذا فعلت خلال الأعوام القليلة الماضية من جرائم شنيعة، راشيل كوري التي دهست بجرافة أمام عدسات المصورين، ياسر عرفات الذي سمم، اغتيال المبحوح، اغتيال الحريري، اغتيال قافلة الحرية، دفن النفايات السامة في الجولان، اغتيال العلماء في العراق، اسمح لي هذه نقطة في غاية الأهمية لأن هذه ليست وجهة نظر، هذه وثيقة صادرة عن دائرة حقوق الإنسان في وزارة الخارجية الامريكية، تقرير صدر بتاريخ 3/3/2009 يقول إن الموساد تمكن حتى الآن بالتنسيق مع القوات الامريكية في العراق من اغتيال 350 عالما نوويا عراقيا، بالإضافة إلى أكثر من ثلاثمئة أستاذ جامعي في مختلف الاختصاصات العلمية ومئات الضباط والطيارين وخبراء صنع وإطلاق الصواريخ، إضافة إلى ذلك فرق الموت التابعة للموساد تنشط في العراق منذ الغزو الامريكي عام 2003 ومهمتها الأساسية هي تصفية العلماء النوويين العراقيين المتميزين والمهندسين من المدنيين والعسكريين السابقين بعد أن فشلت جهود واشنطن في استمالتهم. أين ورد هذا في وثائق ويكيليكس؟ لم يرد أي شيء منه...'
وقد اعترف جوليان أسانج مؤسس موقع ويكيليكس نفسه، غير مرة، بالانتقائية التي اتهمت أنا الجهات الناشرة بها، وذلك في لقائه مع برنامج 'بلا حدود ' الذي بث على قناة الجزيرة في الثالث والعشرين من كانون الأول/ديسمبر 2010، إذ قال بوضوح: 'لدينا خمسة شركاء رئيسيون وهي مؤسسات إعلامية رئيسية وكبيرة وهذه المواد أعطيت إلى مؤسسات إعلامية غير غربية أيضا..'، وقال أيضاً مبرراً عدم نشر وثائق تمس إسرائيل: 'ما نشر حتى الآن بشكل أساسي يعكس الاهتمامات لهذه الصحف الكبيرة الخمس الغارديان والنيويورك تايمز والباييس لكنها لا تعكس ما نعتبره نحن من أهمية'. وقال أخيراً بصورة أكثر وضوحاً: 'وهذا يعكس ربما بعض الانحياز من جانب نيويورك تايمز التي ربما لم ترد نشر بعض المواد عن إسرائيل لأن نيويورك تايمز بالطبع هي في نيويورك وعليها أن تراعي حساسيات معينة حول مشاعر وتصورات السكان اليهود هناك.'
كل ما سبق، رغم خطورته، يمكن السكوت عنه، لأنه قد يدخل في باب 'الرأي والرأي الآخر'، لكن الإهانة التي لا يمكنني السكوت عنها هي قول محمد منصور: 'لكن الأستاذ حسن يخشى أن يقال له لماذا لم تدافع عن إيران'.
يعلم محمد منصور جيداً أنني كاتب مستقل وأنني لا 'أخشى' أحداً إلا الله، وآخر ما يمكن أن يخطر على بال عاقل أن يتهمني به هو أنني أمالئ إيران! فأنا أحد من وقعوا على البيان الشهير المتعلق بهدر دم سلمان رشدي، وقد قيل لي إن اسمي على القائمة السوداء في طهران، مما يبرر عدم دعوتي الى هناك طوال حياتي. قبل حوالي خمسة عشر عاماً قام السيد محمد منصور بكتابة مقال تبخيسي عن مسلسل 'نهاية رجل شجاع ' الذي كان أول مسلسل تلفزيوني أكتبه، يومها أثار السيد منصور لغطاً بقوله إن المخرج نجدة إسماعيل أنزور اقترف خطأ في 'الراكور'، لأن أثر الضربة على خد مفيد الوحش، الذي أدى دوره باقتدار الفنان أيمن زيدان، انتقل من خدٍ الى آخر، وعند مراجعة المشهد تبين أن اللقطة قد أخذت من خلال المرآة مما أوحى بما اعتبره السيد منصور 'خطيئة' كبرى، لكن السيد منصور لم يعتذر أو يتراجع عن موقفه الخاطئ، لذا لم أعد أعول على كتاباته، رغم تمكنه من أدواته، لأنني أعتقد أن النزاهة هي روح الكلام، عندما يفرط الكاتب بها، تغدو كل مهاراته بلا قيمة!

' كاتب من سورية
[email protected]

(96)    هل أعجبتك المقالة (90)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي