لست واعياً على أوّل عيد وطني احتفلت به وعَقَدتُ حلقات الدبكة بأيدي رفاقي الصغار، وماهي حجم الفرحة بقلبي آنذاك... لكني متأكدٌ أني كنتُ صادقاً بفرحتي تلك، لأن أي عيد نحتفل به بالمدرسة كان فرصة لا تفوت لسماع أصدقائي على الأورغ "مهند بيطار" وكورس "فراس مشهور" و"عصام بجور" و "جان بيطار" كمغني سولو مهووسا بجورج وسوف...
هذه فرقة "مراسم" المدرسة من الصف الأول للصف السادس. وهذا كل ما كان يعني لي الاحتفال بمختلف المناسبات إذ لم أكن أفهم شيئاً من "حيثيات" المرحلة و"ظروفنا الدقيقة" سوى هطول الملبّس علينا "مثل المطر" لإكمال صورة الاحتفال.
وفيما كنت أكبُر وتتابع الاحتفالات الوطنية توزعها على التقويم السنوي خصوصاً في الفصل الثاني من العام الدراسي، كُنت "انشرح" للاحتفالات التي تعطينا عليها الدولة "عُطلة" لا تلك التي نقضيها في المدرسة وكان تزيين الصف "بالأشغال" (ورق لاصق ملون) واللافتات فرصة مناسبة لاستعراض مهاراتنا في الهروب من الحصص والساعات الدراسية بحجة وطنية ولا أقوى (والقوي يقول لنا "لأ" من الأساتذة)، أما أصعب الأعياد فكانت تلك التي نأتي بها يوم الجمعة للدوام (السجن) ويذهب والدايّ للعمل "التطوعي" الذي لم يكن يعرف شيئاً من التطوع سوى "الاسم".
كَبرتُ بضع سنوات وبقيت الاحتفالات الوطنية تحمل ذات الطقوس في "النخ" و"الدبيك" ومكبرات الصوت المُضَخِمة، حتى ما يُسمى "بالمَسيرة" كانت فرصة مواتية جداً لضرب (أي عَقَدْ) "صحبات" لا تنسى مع مدارس أخرى أبرزها أقرب مدرسة بنات تحد مدرستنا، عدا عن "التفقد" الذي كان يُجرى في الباص الذي يقلّنا إلى لمسيرة "العفوية" فإن كل هدف نأتي لأجله...نحققه.
"عيد المعلم" كان أصعب الأعياد علينا نحن "الغلابة" فهو رغم طابعه الوطني والسامي والشريف و"التبجيلي" إلا أنه كان أكثر الأعياد إغراقا بالمظاهر والبهارج. فمشهد الآنسة التي تُسخّر طالبيّن من المقاعد الأولى أي (الشطارة والعاقلين) لتوصيل الأكياس الملونة إلى البيت لن يذهب من ذاكرتي ما حييت، وكانت آنسة الفرنسي "الجميلة" "تعايّد" الذين يعايدوها من الأطفال بقبلة، أما أنا فأجلس بآخر صف وحيداً فتقبلني حتى لا أموت من الحزن.
"عيد الشجرة" "أحلى عيد". في كل مرة يأتي عيد الشجرة كان علينا أن نعدد الفوائد التي لا تحصى لهذه الأم الحنون في الفيء والخشب والثمار والهواء العليل، نحن نعدد والبلدية تَقطع وتقول أنها "تُحسن من واقع المدينة". لكن من يحسن مناهجنا؟ فمناهج الابتدائي كانت مُدهشة في جمودها لأنه ورغم عزائم عقولنا النيرة نحن الصغار وبياض صفحات رؤوسنا، إلا أنها ( أي المناهج) لا تُبلع معنا بالهيّن بالأخص تلك المادة المُسماة "بالقومية" التي لم نكن نعرف أنها ستستمر معنا إلى آخر صفوف الجامعة والحياة ربما...، وإن أخذت أشكالاً أخرى، ولم أكن أعرف أنا أبو "المريول" المتسخ دائما و"السيدارة" المهترئة و"الفولار" الفلتان أنها أصبحت جزء من طباعي وأدافع عنها في حياتي كأنني ولدت لأجلها وسأموت ولهاً بها.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية