أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

قوم نصل لـ الشام!! ... حسن بلال التل

عدت قبل أيام من رحلة سفر دامت أربعة أيام قضيت منها في السيارة متنقلا على الطرق الداخلية والدولية أضعاف ما قضيته في الفندق او حتى في المدن نفسها, فالرحلة التي بدأت في الاصل الى بيروت انقلبت بفعل ظرف خارج عن الارادة الى دمشق ومنها الى اللاذقية فبلدة كَسَبْ على الحدود التركية, حيث قطعت ورفاق السفر قرابة 1500 كم ذهابا وإيابا على الطرق الدولية في الاردن والشقيقة سورية, عدا عن المسافات التي قطعناها داخل المدن والبلدات, وكم حز في نفسي ما رأيت من فروقات ومفارقات بين الاردن والشقيقة سورية, والتي بدأت من لحظة المغادرة وحتى العودة.

فعند المغادرة وعلى الجانب الاردني (في جابر) يتجمع المسافرون لختم جوازات السفر في (هنجر) معدني بالكاد يقي من حر او برد كان قد أنشئ على سبيل التأقيت ريثما ينتهي تجديد مبنى المغادرين, لنراه يتحول الى مقر دائم بعد مرور أكثر من سنتين على بدء الصيانة التي لم (ويبدو انها لن) تنتهي, فيما على الجانب السوري تجد الصالات المكيفة والمدفأة ونحو 10-15 ضابطا لختم الجوازات وتسيير العمل كلهم يتسم بالبشاشة وحسن الاستقبال والمزاح اللطيف مع المسافرين بصورة تخفف كثيرا من وعثاء السفر وغربته, فيما على الجانب الاردني لا يزيد العدد عن اربعة أغلبهم يرفضون العمل, وإن عملوا كان تعاملهم مع المسافرين جافا حد الجلافة حتى ليشعر المرء أنه قاتل لأبيهم!!

وبعد قضاء ليلة في دمشق استأجرنا سيارة سياحية لم تستغرق معاملة استئجارها واستلامها اكثر من خمس دقائق, وبلا توقيع شيكات او طلب ضمانات او حتى تحديد مسافة مسموح بقطعها, حيث تجولنا في دمشق التي يبلغ عدد سكانها حوالي 4 ملايين نسمة لساعات ومع ذلك فقد كانت الازدحامات والاختناقات المرورية فيها أقل مما في عمان, وحركة السير أكثر سلاسة رغم ان معظم حركتنا كانت في وسط المدينة, وكان عمل شرطة السير بالكاد هو الاشراف على سلاسة حركة المرور والتزام السواقين بالتعليمات, وليس خلق الازمات والازدحامات و(طج المخالفات) كما يحدث في شوارعنا أحيانا كثيرة وبكل أسف.

بعد ذلك انطلقنا باتجاه اللاذقية ليلا قاطعين حوالي 400 كم, لم نر خلالها رجال الشرطة او السير الا في المراكز الثابتة وعلى التقاطعات الرئيسية, خاصة وأن الشوارع مملوءة باليافطات التي تحمل رقم طوارئ خاص بالطرق الدولية, فيما في بلدي تجدهم يتصيدون السائقين ليلا نهارا, وحتى الآن لا يميز معظم الاردنيين بين رقم طوارئ الدفاع المدني والسير وغيرها لأن أحدا لم يكلف خاطره الاعلان عنها بشكل صحيح, بما في ذلك رقم (911) الموحد الجديد في العاصمة.

قضينا يومين في اللاذقية في شاليه فاخر يقع على البحر مباشرة كانت اجرته في حدود ايجار غرفة في فندق نجمتين في عمان او العقبة, ثم زرنا جبال كسب التي لا يمكن وصفها الا بأنها جنة من جنان الله على أرضه, وكم حز في نفسي ان مناطق مثل جرش وعجلون وبرقش التي لا تقل في امكانياتها الطبيعية عن كسب لا تضاهيها ولا حتى تقاربها في حجم البنى التحتية والاستعدادات والمنشآت السياحية, التي جذبت اليها اللآلاف رغم اننا في فصل الشتاء والمنطقة باردة.

وقد قيل لي انها في الصيف تكون أكثر ازدحاما من المدن الكبرى رغم انها لا تزيد على كونها غابات ومناظر طبيعية بعيدة كل البعد عن المدنية ومظاهر الحضارة.

وفي صباح السبت انطلقنا عائدين الى عمان مرورا بدمشق حيث قطعنا اكثر من 600 كم اخرى من اللاذقية الى دمشق فالحدود الاردنية كان معظمها خلال ساعات النهار, ومع ذلك لم نر الا رادارين لمراقبة السرعة ودورية متحركة واحدة عند مدخل كل محافظة ومدينة رئيسية ترافقها سيارة اسعاف تحسبا لأي طارئ, وطوال الطريق لم نر اي دورية تقوم بإيقاف اي سيارة (لتحلب) السائق وتخترع له مخالفة, هذا مقارنة بطريق عمان اربد التي لا تصل الى 90 كم ومع ذلك فلا يقل عدد الدوريات فيها عن 16 دورية بمعدل يزيد عن دورية كل 5 كم, وكلها والحمد لله مشغولة و(زباينها كثار), ومن النادر جدا ان ترى دورية لا يقف أمامها سيارة او سيارتين على الاقل.

وفي طريق العودة عبرنا الحدود السورية بذات السرعة والسلاسة التي عبرنا بها في القدوم, لنصل الى الحدود الاردنية التي تتكدس عليها السيارات بلا داع ولا مبرر, وبعد طابور دام حوالي نصف ساعة وصلنا الى التفتيش, حيث تم تفتيش السيارة بعد تنزيل المتاع وتحميله مرتين, ثم سُمح لنا بالذهاب لختم الجوازات, لنفاجأ بعد العودة ان السيارة يعاد تفتيشها من قبل مفتش جمارك آخر, حيث اشتعلت عندها وبسبب هذا الأمر مشاجرة كبيرة بينه وبين زميله الذي فتش السيارة اول مرة خاصة وان الثاني لم يجد أي مخالفات في السيارة بعد إعادة التفتيش ولا حتى ما يبرر هذا الأمر, وكانت النتيجة الوحيدة هي تأخيرنا لحوالي ساعة أخرى بلا مبرر, ريثما هدأت المشاجرة وقام المفتش الثاني بالتوقيع مجددا على كشف خروج السيارة, طبعا بعد ان قام المفتش الاول بكيل أقذع الشتائم لزميله وعلى مرأى ومسمع من جميع الموجودين مسافرين وموظفين, فيما فر المدير المناوب واختبأ في مكتبه وكأن الأمر لا يعنيه!!

لكن بالطبع لا شعور يضاهي شعور الوطن وان تستنشق هواءه وتشتم ترابه, خاصة عندما تستقبلك بعد 200 متر من بوابه المعبر الحدودي دوريتا سير واحدة على كل جهة وتتنافس كلتاهما على مخالفتك حتى آخر قرش في الجيب... عندما كنا صغارا كانت أكثر كلمة تتردد في البيت عند تشغيل التلفاز هي (حط عالشام) لأن تلفزيون عمان لم يكن فيه ما يُشاهد, وعندما كبرنا اصبحنا نقول يالله قوم نصل لـ الشام لأنهم في الاردن طققونا!

(99)    هل أعجبتك المقالة (107)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي