لم تكن مفاجأة وثائق موقع ويكيليكس في تأكيدها أن fبعض حكام المنطقة ليسو سوى مخبرين كبارا غير محترمين لدى الإدارة الأمريكية، وبالتالي إسرائيل حكما. فهذا أمر يعرفه كثيرون. ولكن المفاجأة أن يتم فضحهم وإهانتهم وهم على رأس عملهم. فمن المعروف عن العصابات المحترمة أنها تحافظ على سمعة المتعاملين معها حتى بعد موتهم. لكن يبدو أن هذه الإدارة تعرف الذين تتعامل معهم وتدرك جيدا أنه حتى التظاهر بالكرامة والعفة لم يعد من مطالب هؤلاء، أو أنها تعتبرهم غير جديرين حتى بشرف ادعاء الشرف، حتى وهم على قيد الحياة. وبالتالي يتساءل المرء إن كان وجود هؤلاء عقوبة لشعوبهم وقصاصا، أو أن هذه الشعوب لا تستحق ما هو أفضل.
فمن خلال المعلومات التي تقدمها الوثائق نتعرف على هؤلاء" القادة" عراة مكشوفين على حقيقتهم، وكأنهم تلامذة صغار يتسارعون لإخبار معلمهم عن كل مادار بينهم في غيابه، وكل منهم ينتظر أن يكون صاحب الحظوة والمكافأة. والواقع أنه ما كان يجب أن نتفاجأ بعدما كنا نرى بعضهم يقف متأدبا صاغيا خاشعا في حضرة المسؤولين ألأمريكيين من أمثال كوندليزا رايس أو الرئيش جورج بوش الإبن.
وإن صدقت المعلومات ـ وبالتأكيد هناك ما هو أدهى ـ فمن الطبيعي أن يقوموا بدور المخبرين ضد شعوبهم. فمن يرضى أن يستضيف السجون السرية الأمريكية على أرضه لإعفاء الأمريكيين من تلويث أيديهم أكثر مما هي ملوثة، لن يكون غريبا أن يسلم أبناء وطنه للأمريكيين والإسرائيليين. وقد عرفنا أن بعضا من هذه الأنظمة لم يجد حرجا في العمل مع الأمريكيين والإسرائيليين ضد بلدان وحركات مقاومة عربية لقتل الشعوب العربية بحجة المحافظة على مصالح الأمة. والوثائق المنشورة تبين بعضا من دسائسهم وتحريضهم ضد بلدان عربية، وعلى رأسها سورية التي اعتبرها البعض صوتا مزعجا ونشازا في بازار سمسراتهم الرخيصة ضد الأمة العربية، وعامل تعطيل يحول دون تحويل المنطقة إلى سوق نخاسة تباع فيها الشعوب والأوطان والتاريخ كما فعلوا في العراق وفلسطين وغيرها.
فمن يفعل ذلك ضد شعبه وأبناء قومه لن يحظى باحترام عدوه حتى وإن قدم له كل الخدمات المطلوبة. ويبدو أن رفض نابليون مصافحة أحد العملاء، على الرغم من خدماته الكبيرة للجيش الفرنسي، يعبرعن حقيقة من حقائق الحياة الخالدة. كان نابليون على حق حين طلب إعطاء العميل أجره وطرده. ما تغير منذ نابليون حتى الآن هو أن بعض العملاء في منطقتنا لا يستحقون حتى الأجر. وكل ما يريدونه هو شرف العمالة ووسام الخيانة نكاية بشعوبهم وبالكرامة.
لكن الأهم من ذلك أن عورة الغرب الاستعماري، الذي تستّر بورقة تين الديمقراطية والحرية، باتت أكثر ظهورا مع مطالبة أحد أعضاء الكونغرس الأمريكي باعتبار موقع" ويكيليكس" إرهابيا لأنه سرب هذه المعلومات ـ الفضيحة. فقد باتت تهمة الإرهاب تمثل السلاح الأكثر فتكا وسهولة في الاستخدام للقضاء على كل من يمكن أن يمس مصالح الولايات المتحدة والغرب الاستعماري أو يقف في وجه محاولات تركيع الشعوب وسرقة خيراتها. وصار من السهل استخدام هذا السلاح في وجه كل من يدافع عن كرامته وأرضه ويقاوم الاحتلال الأمريكي أو الإسرائيلي. و" الشرعية الدولية" جاهزة دوما لتكون شاهد الزور وأداة التنفيذ في يد الولايات المتحدة وإسرائيل، كما هو الحال مع المقاومة اللبنانية أو الفلسطينية. لقد بات كافيا أن تعلن الولايات المتحدة حزب الله أو حماس إرهابيا لتسارع الأمم المتحدة إلى ملاحقتهما وتنفيذ ما تريده الولايات المتحدة وإسرائيل ومن في صفهما.
وبالعودة إلى التاريخ نجد أنفسنا أمام تهم مماثلة كان السلاطين والحكام في الماضي يطلقونها على من يخالفهم أو يخرج عليهم على الرغم من الظلم والفساد والتعسف في حق شعوبهم. في الماضي كانت تهم مثل الزندقة والكفر والإلحاد تلاحق هؤلاء المعارضين، وتكفي لقتل سمعتهم أو إعدامهم. وفي أزمنة لا حقة صار كل من يخالف الحاكم المستبد إما عميلا أو خائنا يستحق الموت. كانت تلك التهم جاهزة دائما، وكان هناك أجهزة ورجال إعلام ودين مستعدين للترويج لها تماما مثلما هي تهمة الإرهاب الآن. ولدينا الآن إعلاميون ومفكرون وباحثون جاهزون لإثبات تهمة الإرهاب عبر الوسائل المتاحة من صحف وإذاعات ومحطات فضائية. وهؤلاء لا يجدون حرجا في التدليل على أن كل فلسطيني يرفض هدم منزله إرهابي، وكل لبناني يقف في وجه إسرائيل إرهابي. بعض هؤلاء لم يعودوا يعتبرون أنفسهم مخبرين لدى أمريكا والبعض الآخر كان يعتقد أن عمالته ستبقى طي الكتمان فجاء" ويكيليكس" ليذكرهم أن إصرارهم على نفي وجود العمالة والخيانة ونظرية المؤامرة لا يعني أنها غير موجودة، ولا يمكن أن يضعهم في صف الشرفاء.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية