أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

معاناة مواطن سوري بين الإيجار والترميم

استيقظتُ صباح يوم الجمعة قرابة الساعة التاسعة، يوم يُفترض أن يكون يوم راحة، لكنه في الحقيقة لا يختلف كثيراً عن بقية الأيام حين يكون الهمّ مقيمًا في الرأس. شربتُ القهوة مع زوجتي، جلسنا قليلاً نحاول اقتناص لحظة هدوء، رغم أن التفكير لا يفارقنا؛ إيجار المنزل، الترميم، الديون، ومصاريف لا تنتهي.

خرجتُ بعدها إلى السوق واشتريتُ فولاً وفلافل، طقس بسيط اعتدنا عليه في صباحات الجمعة، ربما لأنه الأرخص، وربما لأنه يذكّرنا بأيام كانت أبسط وأخفّ. عدتُ إلى المنزل وتناولنا الإفطار أنا وزوجتي وطفلتاي، نحاول أن نمنح الأطفال إحساسًا طبيعياً بالحياة، رغم كل ما يحيط بنا من ضغوط.

بعد ذلك استعددتُ لصلاة الجمعة، وذهبتُ إلى مسجد شعيب. في الطريق، لا تفارقني فكرة أنني أسكن بالإيجار في مدينة إدلب، أدفع شهرياً 150 دولاراً أمريكياً، مبلغاً كبيراً قياساً بدخل محدود، بينما منزلي الحقيقي في معرة النعمان لا يزال مدمّراً جزئياً، ينتظر أن يكتمل ترميمه ليعيد إلينا شيئًا من الاستقرار.

بعد الصلاة، عدتُ إلى السوق واشتريتُ بعض الخضروات. كان الطقس بارداً ومتقلباً، شتاءٌ يزيد الأعباء ثقلاً، فمصاريف التدفئة ترتفع، وأسعار المحروقات ترهق أي ميزانية. الغلاء بات يرافق تفاصيل الحياة اليومية، من الطعام إلى التدفئة، وكأن الشتاء في سوريا لا يأتي وحده، بل محمّلاً بالفواتير والقلق.

عدتُ إلى المنزل، ثم أخذتُ عائلتي وتوجهنا إلى مدينة معرة النعمان لزيارة الأهل. الطريق إلى المعرة ليس مجرد مسافة، بل مواجهة صامتة مع واقع مؤلم؛ مدينة أعرف شوارعها جيداً، لكنها اليوم تذكرني بمنزلٍ ما زلتُ أرمّمه حجراً حجراً. حتى هذه اللحظة، دفعتُ نحو 6000 دولار أمريكي على ترميم المنزل، جزء كبير من هذا المبلغ اقترضته، ولا يزال ينقصني حوالي 2000 دولار لإنهاء الأعمال بالكامل.

تغدينا عند أهلي، جُمعنا على مائدة واحدة، لكن الحديث لم يبتعد طويلاً عن الواقع؛ عن كلفة الترميم الباهظة، عن الديون، عن الغلاء، وعن الخوف من أن تطول مدة السكن بالإيجار أكثر مما نحتمل. بعدها تجولنا بالسيارة في شوارع المعرة وأحراشها قرابة ساعة، جمال المكان لا يزال حاضراً، لكنه جمال ممزوج بالحسرة والانتظار.

ثم زرنا أهل زوجتي، وكانت الزيارة لطيفة رغم ثقل الحديث. تبادلنا الكلام عمّا يحدث في سوريا من حوادث أمنية خلال الفترة الأخيرة، وعن صعوبة العيش، وعن مواطن يحاول فقط أن يستعيد بيته، لا أكثر.

مع حلول المساء، عدنا إلى إدلب قرابة الساعة السابعة. تجولنا قليلاً في شوارع المدينة قبل العودة إلى المنزل المستأجر، منزل نعيش فيه مؤقتاً، لكن المؤقت في حياة السوري كثيراً ما يطول.

في نهاية اليوم، عدتُ إلى قراءة رواية "موت صغير"، أحاول أن أجد في القراءة متنفساً من ضغط الأرقام، الإيجار، الترميم، والشتاء. أقرأ لأقنع نفسي أن هذا التعب ليس بلا معنى، وأن العودة إلى المنزل في معرة النعمان، مهما تأخرت، ستأتي يوماً ما.

زمان الوصل
(8)    هل أعجبتك المقالة (7)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي