أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

"سجن الطاحونة": الثقب الأسود خلف مبنى الإذاعة والتلفزيون بدمشق سابقاَ

خلف الجدران الصماء لمبنى الإذاعة والتلفزيون في ساحة الأمويين بدمشق، يربض تاريخ طويل من القمع المكتوم. هناك، في المنطقة الممتدة بين إدارة الأمن الجنائي وشارع الجمارك، تقع "الطاحونة"؛ تلك المنشأة المائية القديمة التي تحولت من خدمة أهل دمشق إلى واحد من أكثر السجون غير الرسمية رعباً وسرية في تاريخ سوريا الحديث.

البدايات: من طاحونة ماء إلى مفرزة عسكرية
في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وقبل الانتقال إلى قصر الشعب، كانت هذه المساحة الشاسعة خاضعة لسيطرة القصر الجمهوري ومرآب سياراته. استولى النظام على طاحونة الماء التاريخية، ومع صعود سطوة رفعت الأسد، تحول المكان إلى مفرزة عسكرية لحماية مبنى الإذاعة، وتم تجديد بناء الطاحونة لتصبح مقراً له.

لم تكن "الطاحونة" مجرد مقر عسكري، بل ضمت في قبوها زنازين انفرادية استُخدمت حينها لاحتجاز الضباط المغضوب عليهم، بعيداً عن أعين الرقابة والقانون.

عهد "الماهر": سجن خارج السجلات
بعد أحداث عام 1984، انتقلت السيطرة للحرس الجمهوري، لكن التحول الأبرز حدث في عهد "المخلوع" وشقيقه ماهر الأسد. خضع المكان لسيطرة الفرقة الرابعة، وأصبح مقراً شخصياً لماهر، مدعوماً بمفرزة ميدانية لحماية التلفزيون.

نقل السجن إلى (قطاع) قصر الشعب منطقة إنتشار الحرس الجمهوري . تحول "سجن الطاحونة" في هذه المرحلة إلى أداة لترهيب الطبقة الحاكمة نفسها؛ حيث استُخدم لاعتقال وتعذيب:
- كبار ضباط الجيش.
- الوزراء والمسؤولين.
- أبناء المتنفذين الذين خرجوا عن النص.

كان السجن يعمل "خارج القانون" بكل ما للكلمة من معنى؛ فلا سجلات رسمية، ولا أوامر مكتوبة، بل تعليمات شفهية مباشرة تنهي مصائر خلف تلك الجدران.

الثورة واللحظات الأخيرة
مع اندلاع الثورة السورية، استُخدمت "الطاحونة" كمحطة احتجاز مؤقتة لشباب الحراك السوري من مناطق قدسيا ودمر والمزة. كان المعتقلون يُحتجزون لساعات أو أيام قبل سحبهم إلى المسالخ البشرية في "فرع المنطقة 227" أو "سرية المداهمة (الفرع 215)".

يوم التحرير: 8 ديسمبر 2024
جاء يوم الثامن من كانون الأول (ديسمبر) 2024 ليكون كلمة الفصل. مع انهيار المنظومة الأمنية، فرّ عناصر سرية المداهمة (215) من محيط التلفزيون، وتبعهم عناصر الحرس الجمهوري من مبنى الطاحونة.

دخل المدنيون المنشأة لأول مرة منذ عقود، ليروا بأم أعينهم هذا المكان الذي طالما أثار الرعب بصمته. وبعد عمليات تفتيش دقيقة، تبيّن أن السجن كان خالياً من المعتقلين في تلك اللحظة، ليتم لاحقاً فرض السيطرة عليه من قبل الأمن العام ضمن خطة حماية مؤسسة الإذاعة والتلفزيون.

يبقى "سجن الطاحونة" قديماً وحديثاً شاهداً على حقبة من "دولة المزارع" والسرية المطلقة، حيث كانت المؤسسات السيادية والمنشآت التاريخية تُطوع لتخدم أجهزة القمع الشخصية بعيداً عن أي قيد قانوني أو أخلاقي.

مروان العش - زمان الوصل
(245)    هل أعجبتك المقالة (13)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي