أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

معمل غاز حيان: من الرماد إلى الأمل.. شراكة سورية-كرواتية لإعادة الحياة لمنشأة الطاقة المدمرة

في ريف حمص الشرقي، حيث لا يزال صمت الرمال يروي حكايات الدمار، تعود الحياة تدريجياً إلى واحدة من أهم منشآت الطاقة السورية التي حولها تنظيم "داعش" قبل سنوات إلى ركام محترق. إنها قصة معمل غاز حيان، الذي يتحول اليوم من رمز للتدمير المُمنهج إلى نموذج للتعافي عبر شراكة تقنية دولية.

بداية استراتيجية تحولت إلى هدف حرب
دُشن المعمل عام 2011 بتكلفة 300 مليون يورو، كنتاج شراكة بين المؤسسة العامة للنفط السورية وشركة "إينا" الكرواتية. كانت طاقته الإنتاجية تصل إلى 3 ملايين متر مكعب من الغاز الجاف يومياً و180 طناً من غاز البترول المسال، مما جعله ركيزة أساسية في منظومة الطاقة الوطنية.
لكن هذا الصرح الحيوي تحول إلى هدف استراتيجي خلال الحرب. 

في عام 2017، نفذ تنظيم "داعش" عملية تفجير شاملة ودقيقة، زرع خلالها عبوات ناسفة في قلب المنشآت الحيوية للمعمل، ثم فجرها عن بعد، ووثق العملية إعلامياً كجزء مما كان يسمى "حرب الاقتصاد".

التحدي الفني: إعادة بناء ما دمرته الحرب
يقول الخبير النفطي المهندس أحمد المراد: "التدمير الذي تعرض له المعمل لم يكن عشوائياً، بل كان موجهاً للوحدات الحيوية التي يصعب إصلاحها. الأصعب أن بعض المعدات كانت تعتمد على تقنيات أمريكية، مما شكل تحدياً إضافياً في ظل العقوبات الدولية".

واجهت المحاولات السابقة لإعادة التأهيل عقبات جسيمة، أبرزها شمولية الدمار وتعقيد التقنيات المستخدمة، إضافة إلى صعوبة تأمين قطع الغيار للمعدات المتطورة في ظل الظروف الحالية.

شراكة قديمة.. حلول جديدة
اليوم، تقود الشركة السورية للبترول، برئاسة المهندس يوسف قبلاوي، مساراً عملياً لإعادة الإحياء عبر مفاوضات مكثفة مع الشريك التقني القديم، شركة "إينا" الكرواتية.

يشرح قبلاوي في لقاء سابق له: "لدى الشركة الكرواتية المعرفة الهندسية الفريدة بالمخططات والتصاميم الأصلية. نحن نعمل معهم على تطوير حلول بديلة للتغلب على مشكلة المعدات الأمريكية المتضررة، وبعضها أصبح قديماً ولم يعد متوفراً في الأسواق".

خطة مرحلية لإعادة التأهيل
تعتمد الخطة الفنية لإعادة التأهيل على أربع مراحل أساسية:
1. تشخيص الواقع الفني: تقييم دقيق لحجم الدمار وإمكانية الإصلاح
2. الأولويات الحيوية: البدء بإصلاح الوحدات الأكثر أهمية لتأمين الحد الأدنى من الإنتاج
3. البدائل التقنية: إيجاد حلول بديلة للمعدات التي تعذر إصلاحها
4. التدريج في الاستعادة: العودة التدريجية للطاقة الإنتاجية الكاملة.

تحديات وإمكانيات
رغم التحديات، يرى مراقبون أن المشروع يحمل إمكانيات كبيرة. تقول الدكتورة لمياء الحسن، الخبيرة الاقتصادية: "إعادة تأهيل معمل حيان ليست مجرد إصلاح لمنشأة، بل استثمار في استقرار القطاع الكهربائي وتقليل فاتورة استيراد المحروقات. النجاح هنا سيكون نموذجاً يحتذى به في إعادة إعمار القطاعات الاستراتيجية".

مستقبل الطاقة السورية
يتجاوز مشروع إعادة تأهيل معمل غاز حيان الجانب التقني ليرمز إلى مرحلة جديدة في مسار التعافي الاقتصادي السوري. إنه اختبار لقدرات إعادة الإعمار، ونموذج للشراكات التقنية الدولية في مرحلة ما بعد الثورة، واستثمار في الأمن الطاقي الوطني.

مع استمرار جهود الإحياء، يبقى معمل حيان شاهداً على قدرة التحدي، وحلقة في مسار طويل لإعادة بناء ما دمرته الحرب، حيث تلتقي إرادة الإعمار مع الشراكة الدولية لكتابة فصل جديد في تاريخ الطاقة السورية.

زمان الوصل
(9)    هل أعجبتك المقالة (10)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي