شهدت العاصمة القطرية الدوحة، اليوم الاثنين، حدثاً علمياً وثقافياً عربياً بارزاً، تمثّل في حفل اكتمال "معجم الدوحة التاريخي للغة العربية"، برعاية أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.
وأقيم الحفل في قاعة كتارا بفندق فيرمونت رافلز – لوسيل، بحضور نخبة واسعة من العلماء والمختصين في اللغة العربية، إلى جانب وزراء وشخصيات عامة وأكاديميين وخبراء لغة وصحفيين ومهتمين من دولة قطر ومختلف البلدان العربية، إضافة إلى ممثلين عن منظمات إقليمية ودولية. وتخلل الحفل كلمات رسمية وعروض مرئية تناولت مسيرة المشروع منذ انطلاقه، وأبرز محطاته العلمية، وصولاً إلى اكتماله، قبل أن يُختتم بتكريم العاملين في المعجم وأعضاء المجلس العلمي.
وفي منشور له على منصة "إكس"، قال أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني: "نفتخر في قطر باكتمال معجم الدوحة التاريخي للغة العربية، الذي يعزز بمادته الثرية تمسك شعوبنا بهويتها وانفتاحها على العصر ووسائله الحديثة بكل ثقة. وهذه مناسبة لشكر كل من ساهم في هذا المنجز الحضاري التاريخي الذي نعتبر اكتماله ومراحل إنجازه مظهراً من مظاهر التكامل العربي المثمر".

وفي كلمته خلال الحفل، أكد المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات عزمي بشارة أن مشروع معجم الدوحة التاريخي للغة العربية أتاح المجال لمئات الباحثين من أكثر من خمس عشرة دولة عربية للإسهام في مشروع نهضوي تنويري غير مسبوق، حيث تكاملت خبراتهم وترافدت جهودهم لإنجازه على مدى سنوات طويلة من العمل الدؤوب.
وأوضح بشارة أن الكلمة المفتاحية التي تحمل سر هذا المشروع الضخم هي "الجرأة"، مشيراً إلى أن إنجاز معجم تاريخي للغة العربية تحقق للمرة الأولى بعد محاولات عربية سابقة تعود إلى الثلث الأول من القرن العشرين، رغم أن لغات أقل حيوية وعمقاً من العربية أنجزت معاجمها التاريخية منذ منتصف القرن التاسع عشر.
وبيّن بشارة أن الفرق الجوهري بين المعاجم التقليدية والمعجم التاريخي يكمن في أن الأول يعرّف الكلمة بوصفها معنى ثابتاً، في حين يؤرخ الثاني للكلمة ويكشف تحولات معناها وسياقات استعمالها عبر القرون، باعتبارها كياناً لغوياً متحركاً. وأكد أن ما قدمته الدوحة للأمة العربية يتمثل في أداة علمية موثّقة بالشواهد، تتيح تتبع تطور المفردة وانتقالها بين الحقول الدلالية المختلفة.
وأشار إلى أن المعجم بات متاحاً للجميع عبر التقنيات الرقمية الحديثة، سواء على الحاسوب أو الهاتف الجوال، متضمناً أرقاماً تعكس حجم العمل، من بينها نحو 300 ألف مدخل معجمي، ومدونة لغوية تقارب مليار كلمة، وأكثر من عشرة آلاف مصدر في البيبليوغرافيا، إضافة إلى عشرة آلاف جذر صرفي. ولفت إلى أن المنهج المعتمد يقوم على ربط كل مدخل بشاهد نصي مؤرخ وقابل للمراجعة، مع فتح الباب أمام التصويب العلمي المدقق، في تجربة وصفها بأنها أقرب إلى "حالة ديمقراطية معرفية نادرة".

من جانبه، قال رئيس المجلس العلمي للمعجم رمزي البعلبكي إن إنجاز معجم تاريخي شرط أساسي لأي نهضة لغوية أو فكرية، موضحاً أن بساطة فكرة المعجم لا تعني سهولة إنجازه، بل إن العمل عليه يُعد من أعقد المشاريع العلمية وأكثرها تطلباً للجهد والدقة.
وفي كلمته، أوضح المدير التنفيذي للمعجم عز الدين البوشيخي أن المشروع قام على حفظ ألفاظ اللغة العربية ومعانيها وشواهد استعمالها في النقوش والنصوص، بما يسهم في صون الهوية اللغوية وبناء الذاكرة المعجمية المشتركة للناطقين بالعربية.
بدورها، أكدت وزيرة التربية والتعليم والتعليم العالي القطرية لولوة الخاطر أن المشروع يجسد عمق الجدية والاستمرارية في العمل الفكري العربي، مشيرة إلى قدرته على جمع الطاقات المختلفة وصهر التباينات في سبيل مشروع علمي جامع يخدم الأمة العربية.
كما أعلن المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو) سالم بن محمد المالك استعداد المنظمة لتسخير إمكاناتها في خدمة المعجم، داعياً إلى شراكة استراتيجية طويلة الأمد لنشر فوائده على نطاق أوسع.
وفي ختام الحفل، كرّم أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني العاملين في المعجم من الخبراء والإداريين، إلى جانب أعضاء المجلس العلمي، تقديراً لجهودهم التي امتدت لأكثر من عشر سنوات وأسفرت عن إنجاز أحد أبرز المشاريع اللغوية في تاريخ اللغة العربية المعاصر.
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية