أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ثقوب في "خزان" الثروة الوطنية: اتفاقيات كبرى في الأعلى وهدر منظّم في القاع

أرشيف

بينما تنشغل المنصات الرسمية للشركة السورية للبترول بالترويج للاتفاقيات الاستثمارية الدولية بوصفها "إنجازات استراتيجية" ستقلب الموازين الاقتصادية، ثمة واقع مغاير تماماً يحدث في الظل؛ نزيف يومي لملايين الليترات من مادة المازوت، دون تحرك جدي لوقف هذا التبديد الممنهج للثروة الوطنية.

المفارقة الصادمة: استثمار في الخارج وهدر في الداخل
تطرح التناقضات الحالية سؤالاً جوهرياً: ما الفائدة من توقيع عقود تطوير بمليارات الليرات، إذا كانت الثروة المتاحة فعلياً تُهدر بهذه البساطة؟ إن قطاع المحروقات، الذي يمثل العمود الفقري للاقتصاد السوري وللخدمات الأساسية، ما زال يُدار بعقلية "الجمود" التي لا تواكب حساسية المرحلة ولا حجم الأزمات المعيشية المتلاحقة.

القطاع العام.. ممر آمن للسوق السوداء؟
تُضخ شهرياً كميات هائلة من المازوت لمؤسسات القطاع العام (مشافي، أفران، اتصالات، بلديات، ونظافة) لتأمين استمرارية المرافق الحيوية. لكن شهادات ومصادر متقاطعة تؤكد أن جزءاً كبيراً من هذه المخصصات لا يجد طريقه إلى المولدات أو الآليات الحكومية، بل يتسرب عبر "مسارات بديلة" إلى السوق السوداء.

الغائب الأكبر هنا هو الدور الرقابي لشركة "محروقات". فرغم امتلاكها الأدوات الفنية، إلا أن الواقع يكشف عن:
- غياب تتبع الصهاريج: فقدان السيطرة على حركة المادة من المستودعات إلى جهة الاستخدام النهائية.
- عجز التدقيق: عدم وجود مطابقة حقيقية بين "الاحتياج الفعلي" والمخصصات الممنوحة، مما يترك ثغرات واسعة للتلاعب.
- شبهات حول لجان الرقابة: تحول بعض لجان الجودة والرقابة إلى واجهات شكلية تفتقر للخبرة، وسط اتهامات تلاحق بعض الكوادر بالتنسيق غير المشروع مع فروع الإدارة.

حلول غائبة بقرار إداري
يرى مراقبون أن الحل لا يتطلب "معجزات"، بل إجراءات تقنية وإدارية بديهية يطالب بها الخبراء منذ سنوات، وأبرزها:
- إعادة هندسة الاحتياج: تقييم فني دقيق لكل قطاع بناءً على ساعات التشغيل الفعلية.
- الرقابة الذكية: فرض أنظمة تتبع رقمية ومحاسبة فعلية تتجاوز التقارير الورقية "المطبوخة".
- الاستقلالية الرقابية: تشكيل لجان فنية مختصة بعيدة عن نفوذ إدارات الفروع المباشرة.

الخلاصة: أبعد من مجرد تغيير أسماء
إن الأزمة في إدارة شركة "محروقات" لم تعد تتعلق بتغيير مدير أو استبدال مسؤول بآخر؛ إنها أزمة "إرادة" وغياب استراتيجية وطنية لحماية ما تبقى من موارد. على الشركة السورية للبترول أن تدرك أن "محروقات" هي وجهها الحقيقي أمام المواطن، وأن كل ليتر مازوت يُهدر هو طعنة في جدار الثقة، وفشل لا يمكن تغطيته ببريق الاتفاقيات الدولية.

استمرار هذا النزيف ليس مجرد خلل إداري، بل هو تفريط مباشر بلقمة عيش السوريين وثروتهم السيادية، صمت الجهات المعنية عنه لم يعد مقبولاً ولا مبرراً.

زمان الوصل
(9)    هل أعجبتك المقالة (8)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي