في الوقت الذي تئن فيه محافظة السويداء تحت وطأة الانفلات الأمني وتصاعد معدلات الجريمة، تخرج بيانات "الرئاسة الروحية للموحدين الدروز" المتمثلة بالشيخ حكمت الهجري، لترسم صورة وردية عن "العدل" و"الحماية"، في مفارقة يصفها مراقبون بأنها "ذر للرماد في العيون".
فبينما تتحدث البيانات عن ملاحقة "ضعاف النفوس"، تشير الوقائع على الأرض إلى أن المليشيات التابعة لهذه المرجعية هي المحرك الأساسي لعمليات النهب والقتل الممنهج.
خطاب "الدولة داخل اللا دولة"
يكشف البيان الأخير للهجري، عن تحول جذري في لغة الخطاب الروحي؛ حيث يتم استخدام مصطلح "جبل باشان" بدلاً من "محافظة السويداء"، في إشارة واضحة لسلخ المنطقة عن هويتها السورية التاريخية. الخطورة هنا لا تكمن في الاسم فقط، بل في سعي المليشيا لفرض "سيادة" بديلة تقوم على القوة العسكرية لا على القانون.

التناقض الأخلاقي: القاتل يتقمص دور القاضي
يحتوي البيان على عبارات تدين "البلطجة والإرهاب وسلب الحقوق"، لكن المفارقة تكمن في أن المجموعات المسلحة التي تتبع للهجري إدارياً وتمويلياً، هي ذاتها المتهمة بـ:
- فرض الإتاوات: على الطرقات العامة وتحت مسميات "حماية الجبل".
- التصفية الجسدية: لكل من يعارض التوجهات الانفصالية للمليشيا، تحت ذريعة "تطهير الصفوف من الخونة".
- النهب المنظم: للممتلكات العامة والخاصة بدعوى "تأمين موارد للصمود".
اللعب على وتر "الأقليات" والاستقواء بالخارج
في سابقة أثارت جدلاً واسعاً، تضمن الخطاب تحية صريحة لـ "دولة إسرائيل حكومة وشعباً"، وهو ما يراه محللون سياسيون محاولة لشرعنة التدخل الخارجي في الشأن السوري. هذا التوجه يضع "الجبل" في مهب الصراعات الإقليمية، ويحول الطائفة الكريمة إلى "أداة" في مشروع تفتيتي، بعيداً عن تاريخها المعروف بالتمسك بالوحدة الوطنية.

استغلال المظلومية لشرعنة السطو
يعتمد الهجري في خطابه على استدعاء "فجائع الماضي" وهجمات تنظيم "داعش" لخلق حالة من الرعب المستمر لدى الأهالي. هذا "التخويف الممنهج" يمنح المليشيات صكاً مفتوحاً لممارسة الانتهاكات؛ فكل صوت يعترض على النهب أو القتل يُصنف فوراً كـ "خائن" أو "متخاذل" يهدد أمن الموحدين.
واقع "باشان": لؤلؤة أم بؤرة فوضى؟
بينما يصف البيان الجبل بأنه "لؤلؤة ناصعة في الشرق الأوسط"، تعيش السويداء اليوم واقعاً مظلماً؛ اختطاف متبادل، تجارة مخدرات وسلاح، وغياب تام لأي سلطة قضائية حقيقية. إن "القضاء الأصولي" الذي وعد به البيان ليس سوى "محاكم ميدانية" تديرها المليشيات لتشريع جرائمها.
السويداء اليوم تقف أمام مفترق طرق خطير؛ فإما العودة إلى كنف القانون والدولة، أو الانزلاق الكامل خلف شعارات "الرئاسة الروحية" التي تبيع الوهم للأهالي بينما يمارس أتباعها أبشع أنواع التنكيل والنهب. الخطاب الروحي للهجري بات "غطاءً شرعياً" لممارسات لا روحانية فيها، والضحية دائماً هو المواطن الباحث عن الأمان الحقيقي.
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية