أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

لا تلعبوا بدين الله

سجن المزة العسكري - الأناضول

لقد أصبح حديث النبي ﷺ: "اذهبوا فأنتم الطلقاء" موضوعاً متداولاً بين الناس بشكل واسع، خاصة في سياق الحديث عن العدالة الانتقالية، أو الشهادات المتعلقة بالتعذيب والقتل في السجون والمعتقلات، مثل تدمر وصيدنايا.

وعند الخوض في هذه المواضيع، يُردّ على الكثير من المتحدثين من قِبل بعض الشيوخ أو طلبة العلم بالقول: "لا يجوز مقاضاة المجرمين، ولا يجب التحدث عن مجزرة حماة أو تدمر أو صيدنايا، وحتى الحديث عن اغتصاب النساء في السجون يعتبر أمراً غير مقبول". ويُستشهد بحديث النبي ﷺ: "اذهبوا فأنتم الطلقاء"، مع الإشارة إلى ضرورة العيش في سلام وأمان، ونسيان جروح الماضي، والزعم بأن العدالة ليست مهمة لأن المسؤولين عن هذه الجرائم قد أصبحوا (بمنزلة) قبيلة قريش؛ في إشارة إلى أن هؤلاء المجرمين يستحقون العفو بناءً على فهم خاطئ لهذا الحديث.

سوء تفسير حديث "اذهبوا فأنتم الطلقاء"
يجب أن نكون واضحين: إن حديث "اذهبوا فأنتم الطلقاء" قيل في سياق محدد، عندما عفا النبي ﷺ عن قريش بعد فتح مكة، ويجب فهم هذا الحديث في سياقه التاريخي والديني. فالنبي ﷺ خصّ قبيلة قريش بهذا العفو لاعتبارات قدرها الوحي والشريعة في ذلك الوقت، ولم يكن المقصود من الحديث أن يُستخدم كمبرر للعفو عن كل مجرم في كل زمان ومكان.

ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يُعتبر هذا الحديث مبرراً لترك المجرمين، أمثال بشار الأسد، أو رفعت الأسد، أو قاسم سليماني، أو أي من الذين ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية دون محاسبة. هؤلاء المجرمون لا يمكن تصنيفهم ضمن من يشملهم العفو النبوي، لأنهم ليسوا ممن عنى الحديث، ولا تنطبق عليهم شروط العفو التاريخية أو الشرعية.

محاولات تأويل الحديث لخدمة مصالح سياسية
مما لا شك فيه أن بعض الأشخاص يحاولون تطويع هذا الحديث لتبرير تجاوزات النظام السوري وجرائمه على مر السنوات. هذا التفسير المغلوط قد يكون ناتجاً عن انتماء بعض الشخصيات "العلمية" أو السياسية إلى جمعيات تدافع عن النظام، مثل "جمعية المرتضى" التي أسسها جميل الأسد.

هؤلاء الأشخاص يضعون مصالح النظام أولاً، وينكرون حقوق الضحايا من أجل ضمان بقاء الوضع الراهن. إن هذا التفسير الذي يُروج له الآن يشبه تماماً تلك السياسة التي كانت تُنشر في عهد البعث، عندما كان النظام يحاول إخفاء الجرائم والانتهاكات بحق الشعب السوري بحجة "التسامح" و"المصالحة" الصورية.

موقف علماء سوريا الصادقين
من المهم أن نذكر أن رابطة علماء سوريا، التي أسسها الشيخ محمد أبو الخير الميداني -رحمه الله-، كانت من الجهات التي قاومت محاولات السيطرة على الخطاب الديني من قِبل النظام، وأدانت الانتهاكات الجسيمة. لقد بقيت هذه الرابطة وفية لمبادئها، ورفضت أن يكون الدين مطية لتبرير الجرائم.

وعلى عكس المفتي العام آنذاك أحمد كفتارو، الذي كان يساند النظام في مواقفه، وقف العلماء المخلصون بالمرصاد لرفض تسييس الدين لصالح القمع أو السكوت عن المظالم.

لا مسامحة في الحقوق الشخصية والظلم
إن المسامحة في الإسلام ليست عفواً مطلقاً عن كل مجرم. يمكن العفو في الحقوق الخاصة بشروط، ولكن العفو عن الظلم العام -خاصة المتعلق بالأعراض والقتل الممنهج- لا يجوز التفريط فيه من قِبل طرف غير صاحب الحق. فمن يعفو عن المجرمين الذين ارتكبوا هذه الفظائع نيابة عن الضحايا، إنما يضيع الحق ويشرعن الظلم.

فهل يُعقل أن نسامح من اغتصب امرأة أو قتل بريئاً لمجرد انتمائه لفئة معينة؟ بالطبع لا. فالإسلام دين عدل لا يساوي بين الضحية والجلاد.
في النهاية، نؤكد أن الحديث النبوي "اذهبوا فأنتم الطلقاء" لا يمكن استخدامه لتبرير الإجرام. العدالة هي المبدأ الذي يجب أن يسود، والمسلمون سواسية أمام الحق والقانون. 

والحدود الشرعية واضحة، والتاريخ شاهد على أن الدين لا يبرر القمع.

والنتيجة التي يجب أن نعيها هي ما قاله الإمام التابعي مالك بن دينار: "كفى بالمرء خيانة أن يكون أميناً للخونة، وكفى بالمرء شراً ألا يكون صالحاً ويقع في الصالحين".

سليمان الحسيني - زمان الوصل
(551)    هل أعجبتك المقالة (6)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي