أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

عفوا وزارة العدل: أين الجريمة؟

سوريون يتفقدون ما تبقى من وثائق سجن صيدنايا - أ.ب

في 5/01/2025 أصدرت وزارة العدل مشكورة تعميمًا يحث السوريين على تسليم أي أدلة وقعت أو تقع بين أيديهم للمحامين العامين من أجل حفظ الأدلة، وهذا لاشك أنه موقف سليم من وزارة العدل السورية. ولكن التعميم رقم 24 الذي صدر في 15/12/2025 (والذي يؤكد على أهمية حفظ الأدلة الخاصة بالمفقودين والمغيبين قسريًا) ذهب بعيدًا حتى إنه اعتبر أن نشر الوثائق من خلال الصحافة الاستقصائية المطبوعة أو الإلكترونية جريمة تمس أمن الدولة. حتى إنه أشار إلى أن العقوبة على هذه الأفعال المجرمة تكون عقوبتها مشددة بموجب المادة 247 من قانون العقوبات والفقرة (ج) من المادة 33 من قانون مكافحة الجريمة الإلكترونية. ولكن قبل أن تكون هناك عقوبة لكي تشدد يجب أن تكون هناك جريمة.

من حيث المبدأ، الذي نتفق معه مع تعميم وزارة العدل هو أن استعمال هذه المعلومات لسبب غير مشروع يشكل جريمة. لكن حصول الصحافة على هذه المعلومات ونشرها يشكل سببًا مشروعًا ولا يمكن معاقبة الصحافة على ذلك.

السؤال هنا: هل هذه المعلومات تكون سرية ابتداءً حتى يكون نشرها جريمة؟ هل تتوافر فيها الشروط التي ينص عليها قانون أصول المحاكمات الجزائية لتكون استثناء من مبدأ العلانية أثناء التحقيقات القضائية أو موضوع لتدابير تحفظية أو مستعجلة لحفظ الأدلة؟

بعيدًا عن هذا السؤال. في الواقع، استند التعميم رقم 24 على المواد التالية من قانون العقوبات السوري على ما يلي:
المادة 271 والمادة 272 من قانون العقوبات تؤكدان على أنه حتى يكون هناك جريمة لا بد من أن يكون هناك قصد بالدخول لمكان محظور لسرقة أو الحصول على الوثائق التي يجب أن تبقى سرية حرصًا على سلامة الدولة.

لكن المادتين السابقتين لا تنطبقان على الصحافة لأن المعلومات يجب أن تبقى سرية حرصًا على سلامة الدولة وليس على سلامة الأدلة الواجب توفرها لتحقيق العدالة الانتقالية حسب التعميم رقم 24. والمبدأ المعمول به عند التكييف الجزائي للفعل هو لا يجوز التوسع في تفسير النص القانوني. ناهيك أن هاتين المادتين تشترطان سوء النية والقصد الجرمي الخاص بجريمة الإفشاء. أي أن الصحافة تعلم أن هذه المعلومات تمس بسلامة الدولة وحصلت عليها بالدخول لمكان محظور أو سرقتها منه.

أما المادة 273 فتنص على أن من كان في حيازته بعض الوثائق أو المعلومات كالمذكورة في المادة 271 فأبلغها أو أفشاها دون سبب مشروع عوقب بالحبس. إن هذا الوصف من الممكن أن ينطبق عندما يكون الشخص لديه سوء نية، ولكن القاعدة المتفق عليها والتي تشكل عرفًا قانونيًا ومبدأ من مبادئ القانون المترسخة هي أن الأصل هو حسن نية الصحافة وحتى الاستقصائية منها. وذلك يعود إلى أن مهمة الصحافة ليست نقل الأخبار فقط وإنما عليها مهمة وواجب في نفس الوقت وهو قرع جرس الإنذار لأي اشتباه لوجود انحراف أو تجاوز أو ظاهرة غريبة أو حتى الإشارة إلى جريمة كبرى مع القرائن أو بدونها وفي جميع مراحل التحقيق، ويقع على عاتق السلطة القضائية فقط أن تلفت نظر الصحفي رسميًا أن نشر بعض الوثائق أو المعلومات يمكن أن يؤثر في مجرى التحقيق. عندئذ فقط يكون الصحفي ملزمًا قانونًا بعدم نشر المعلومات المشار إليها فقط لمصلحة التحقيق. لكن الوثائق التي تتعلق بالمعتقلين لا تتعلق بتحقيق أمام القضاء وإنما بمعرفة مصير ملايين المفقودين ولا تضر أي تحقيق مستقبلي في هذا الشأن؛ لأنها لا تكشف عن فاعل أو شريك أو محرض يجهله السوريون أو وزارة العدل.

أما بالنسبة للفصل الرابع من قانون الجريمة الإلكترونية والذي أقره النظام البائد لمعاقبة السوريين فلا ينطبق أي من مواده على الحصول ونشر المعلومات المتعلقة بمصير المفقودين. 

وحتى التهمة الشهيرة وهي النيل من هيبة الدولة لا تنطبق لأن المادة 28 تنص على أن تكون الأخبار المنشورة كاذبة.

إن مبدأ حرية الصحافة يشكل استثناء على مبدأ عدم نشر المعلومات السرية الحكومية والخاصة وهو مكرس في جميع قوانين الاتحاد الأوروبي وحتى بموجب القوانين الأوروبية ولا سيما التوجيه الأوروبي لعام 2016 والذي نص صراحة على أن حرية الصحافة مصانة وللصحافة الحق في نشر المعلومات السرية.

الدكتور عمر اليوسف - زمان الوصل
(11)    هل أعجبتك المقالة (12)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي