أثار تعميم وزير العدل حول تداول الوثائق الرسمية إلكترونيًا جدلاً واسعًا (خصوصا وثائق تبين مصير المعتقلين)، إذ يُفسر التعميم القوانين النافذة لتجريم النشر الإلكتروني، بينما يرى النقاد أنه أداة لتقييد الحريات استناداً إلى تشريعات وُصفت بالفضفاضة أقر جزء منها الأسد عام 2022.
التكييف القانوني.. النشر الإلكتروني جريمة
التعميم ليس قانونًا جديدًا، بل هو توجيه قضائي للنيابات العامة يفسر كيفية تطبيق القوانين القائمة، معتبرًا أن حيازة أو نشر أو تداول الوثائق الرسمية غير المصرح بها عبر الوسائط الإلكترونية (فيسبوك، واتساب، إلخ) قد يشكّل أفعالًا جرمية.
1. قانون العقوبات العام (المادة 271):
يجرم هذا القانون حيازة أو إفشاء الوثائق الرسمية التي تكون بطبيعتها سرية أو تمس أمن الدولة (وزارة العدل اعتبرت وثائق مصير الشهداء تمس أمن الدولة). والتعميم يفسر أن النشر عبر الوسائط الإلكترونية هو إفشاء علني ينطبق عليه التجريم، ولا يشترط أن يكون الناشر موظفًا.
2. قانون مكافحة الجريمة المعلوماتية رقم 20 لعام 2022:
هنا يكمن التشديد، فالقانون الذي أقره الأسد يعتبر وسائل التواصل وسائط معلوماتية كاملة، ويعاقب على الأفعال التالية:
- نوع الوثيقة: يكفي أن تكون الوثيقة رسمية غير مصرح بنشرها (لا يشترط أن تكون مزورة).
- مسؤولية المشاركة: يجرّم القانون إعادة النشر والمشاركة والإرسال في المجموعات المغلقة، حتى لو لم يكن الشخص هو المُسرّب الأول للوثيقة، ينطبق على نشر عائلة المعتقل للوثيقة!
- القصد الجرمي: يكفي لإثبات الجريمة توافر القصد الجرمي العام (العلم بأن الوثيقة رسمية وغير مصرح بها والقيام بالنشر طوعًا)، ولا يُشترط إثبات نية الإضرار بالدولة.
قانون تكميم الأفواه
بالرغم من صحة التفسير القانوني شكليًا، فإن تطبيقه على الحالة السورية يثير انتقادات حادة:
- قانون تقييدي بامتياز: يُنظر إلى القانون 20/2022 على أنه كان أداة للأسد لإعادة السيطرة على الفضاء الرقمي، و تكميم الأفواه وملاحقة أي شكل من أشكال النقد أو المعارضة الإلكترونية، في عام 2022 انتقدت المنظمات الحقوقية هذا القانون، لكن في عام 2025 صمتت!
- اتساع نطاق التجريم: التعريف الفضفاض "للوثيقة الرسمية" في دولة تعوم على مقابر جماعية وسجون سرية، وسهولة تكييف أي مستند إداري على أنه سري، يوسع نطاق التجريم بشكل هائل ويهدد الصحفيين والناشطين.
- تجاهل دوافع المصلحة العامة: التكييف القانوني يتجاهل الدوافع النبيلة للنشر مثل كشف مصير الشهداء، والفساد أو انتهاكات حقوق الإنسان، ويجرّم الفعل بناءً على غياب الترخيص فقط، مما يشكل تقييدًا صارخًا لحرية التعبير والحق في الحصول على المعلومة.
التعميم والقوانين التي يستند إليها تحوّل النشر والمشاركة للوثائق الرسمية غير المصرح بها إلكترونيًا إلى جريمة مكتملة الأركان وعقوبتها مشددة، مما يمثل انحسارًا جديدًا في مساحة الحريات الرقمية في سوريا.
رئيس التحرير - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية