أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

عامٌ على التحرير، والعَلمُ بوابة وحدتنا

من دمشق - أ ف ب

تمرّ سوريا اليوم في ذكرى التحرير الأولى، عامٌ كامل منذ سقط الطاغية وفتحت البلاد بابها الكبير نحو مستقبل للجميع، خلال هذا العام، تعلّم السوريون درساً لم يدرّس في الكتب: أن الشعوب لا تُبنى بالقوة، بل بالانتماء؛ وأن الدولة لا تستقرّ إلا حين يتكئ الناس على هوية واحدة، رمز واحد، علم واحد، وخارطة واحدة.

لقد اكتشف السوريون — ربما لأول مرة منذ عقود — أن رفع العلم ليس مجرد حركة احتفالية، بل فعل سياسي واجتماعي، يعمّق الشعور بالانتماء، ويعيد ترميم العلاقة بين المواطن ووطنه، رأينا ذلك في الأيام الأولى للتحرير، بيوتٌ تُزيَّن، محالّ تُعلّق الرايات، سيارات تتزيّن بالألوان الثلاثة… كأن الشعب كان يبحث عن لحظة يعلن فيها لنفسه: هذه سوريا… وها نحن ذا.

اليوم، وبعد عام، يعود السؤال: كيف نثبّت هذه الروح؟ وكيف نحمي الوحدة الوطنية التي تكوّنت داخلنا؟

العلم ليس رمزاً سياسياً، بل رمز ولادة جديدة
من يظن أن علم الثورة مجرد شعار سياسي لم يعرف عمق هذه البلاد، هذا العلم هو “شهادة ميلاد سوريا الجديدة”، الصورة التي رآها العالم واكتشف من خلالها أن السوريين، رغم جراحهم، قادرون على الوقوف معاً تحت ظلّ رمز واحد.

في علمك الذي تعلّقه على نافذة منزلك، رسالة صامتة تقول لجارك، ولمدينتك، وللعالم: "أنا جزء من هذه الأرض، وهذه الأرض جزء مني".

والشعوب التي تحترم أعلامها تعرف جيداً قيمة هذا الشعور:
في أمريكا، لا يوجد منزل يخلو من العلم في الأعياد الوطنية، الناس تشتريه بأموالها، لا تفرضه الدولة، لأنه يمثّل الرابط الوحيد بين ملايين مختلفين في الأصل واللغة والعرق.

في تركيا، حين يعلَّق العلم على نافذة منزل، يُعتبر ذلك موقفاً شجاعاً وولاءً للدولة تركيا، وترى المدن تُغرق شرفاتها بالأحمر في أي مناسبة، وإذا أُهينَ العلم، فربما تقوم حرب.

في فرنسا، حين يرفع الناس العلم، فإنهم يرفعون معه ثورتهم وقيم جمهوريتهم، ويعيدون إعلان ولائهم لمبادئ الحرية والمساواة والإخاء.
هذه الشعوب لم تبنِ وحدتها بالخطابات ولا بالوعود، بل ببناء رابط يومي بسيط: علمٌ يرفرف فوق البيوت.

خارطة سوريا، الذاكرة التي لا تتجزّأ
في الذكرى الأولى للتحرير، تبدو خارطة سوريا — بحدودها المعترف بها دولياً — أعظم رمز للوحدة، ليست الحدود خطوطاً صمّاء، هي آلاف القصص، وملايين الأقدام التي مشت من الساحل إلى الفرات، ومن الجبال إلى السهول.

اليوم، حين ترى الخارطة أو حين تعلقها على الجدار، أنت تعيد قول الحقيقة التي حاول كثيرون محوها: سوريا واحدة، وهذه الوحدة ليست موضوع نقاش.

شعورك بأن هذه الأرض لك، وأنك مسؤول عنها، هو سرّ استقرار أي دولة، هكذا فعل الألمان بعد الحرب العالمية الثانية، وهكذا فعل الروانديون بعد الإبادة، وهكذا فعلت اليابان بعد السقوط، الوحدة الوطنية ليست منحة سياسية، بل قرار اجتماعي.

كيف تتحول ذكرى التحرير الأولى إلى مشروع وطني؟
لا نحتاج إلى نظريات طويلة، بل إلى خطوات بسيطة تبني ثقافة جديدة:
1. علّق العلم على نافذتك أو شرفتك: تخيل أن كل شارع في سوريا يضيء بالأخضر والأبيض والأسود وتلمع نجومه في الوسط، تخيّل شعور كل طفل حين يرى الأعلام تصنع سقفاً فوق مدينته، أنت بهذه المبادرة تمنح الجيل القادم "إحساس الوطن" قبل أن يتعلمه في الكتب.
2. ضع خارطة سوريا في منزلك أو مكتبك: توضع الخرائط في كل الدول المحترمة على الجدران لأنها ليست للزينة، بل لتذكير الناس أن الأرض تجمعهم أكثر مما تفرقهم.
3. احتفل بالذكرى بطريقتك: زيّن المكان الذي تعمل فيه، شارك منشوراً، اروِ لأطفالك قصة مدينتك يوم التحرير، قصصاً عن التضحيات، فهذه التفاصيل الصغيرة تصنع ذاكرة وطن.
4. ساهم في رفع الوعي وفي حماية السلم الأهلي: الوحدة ليست كلاماً؛ هي سلوك، احترم اختلافات الناس، وذكّر نفسك دائماً أن سوريا أكبر من توجهاتنا السياسية كلها.

صوت للمستقبل
عامٌ على التحرير، وسوريا تتغيّر، وإن هذا هو وقت العمل، وقت إعادة البناء، بناء الهوية قبل البنية التحتية، والشعب الذي يختار علمه، ويحمي خارطته، ويعلّق رموزه على نوافذ بيته، لا يمكن لأي جهة في العالم أن تفرّقه.

في هذه الذكرى، أدعو كل سوري إلى اقتناء علم، لا بوصفه قطعة قماش، بل بوصفه رمزاً للأمل.

علّقه على نافذتك، على شرفتك، على باب بيتك، اجعله يقول عنك ما قد لا تستطيع قوله كل يوم: أنا مواطن في دولة واحدة، موحدة، محرّرة، وقولي هذا ليس من باب الأماني، بل من باب الالتزام.

نزار الطويل - زمان الوصل
(6)    هل أعجبتك المقالة (8)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي