يشهد الشرق الأوسط لحظة فارقة في تاريخه مع تحول سوريا الجديدة من ساحة صراع إلى شريك محتمل للسلام. إلا أن هذه اللحظة التاريخية تواجه اختبارًا حاسمًا في ظل تبني إسرائيل لنهج عدواني تكتيكي يُهدد بإهدار فرصة قد لا تتكرر قريبًا.
الرؤية السورية: سلام يستند إلى السيادة والكرامة
تُؤكد القيادة السورية الجديدة أن السلام الحقيقي لا يمكن أن يُبنى على أنقاض السيادة الوطنية. وقد عبّر وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، عن هذا الموقف بوضوح لمجلة "المجلة" في 20 نوفمبر، حين أعلن أن "سوريا لن تقبل بأي اتفاق مع إسرائيل ما لم تنسحب القوات الإسرائيلية إلى خط 7 ديسمبر".
ويتمحور الموقف السوري حول مبادئ ثابتة تستند إلى:
- استعادة السيادة الكاملة على كامل التراب الوطني لحدود ما قبل 8 ديسمبر 2024.
- رفض أي وجود عسكري أجنبي.
- التمسك بوحدة الأرض السورية ورفض تحويلها إلى مناطق نفوذ أو كانتونات متنازع عليها.
الرد الإسرائيلي: من الهجوم الشخصي إلى التصعيد الميداني
واجهت إسرائيل الموقف السوري الثابت بـهجوم شخصي وتصعيد ميداني. ففي جلسة للكابينت يوم 21 نوفمبر، شن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو هجومًا لاذعًا على الرئيس السوري، نقلًا عن الصحافة العبرية، واصفًا إياه بأنه "عاد منتفخًا من واشنطن" و"بدأ في اتخاذ خطوات لا يمكننا قبولها". كما زعم أن الشرع "يريد إحضار قوات روسية إلى الحدود".
جاء هذا الهجوم الشخصي متزامنًا مع زيارة نتنياهو ووزير الأمن يسرائيل كاتس للمنطقة العازلة، حيث أشاد بأداء الجنود الإسرائيليين وعزز الوجود العسكري في المناطق المتنازع عليها، في خطوة اعتبرتها دمشق استفزازًا واضحًا، بحسب (i24NEWS).
كشف الرئيس الشرع خلال زيارته لواشنطن في التاسع من نوفمبر أن "إسرائيل خرقت اتفاقية الفصل لعام 1974 بعد سقوط النظام السابق"، مشيرًا إلى أنها "زادت من وجودها العسكري، وطردت قوات الأمم المتحدة، وقامت بعدد كبير من الهجمات". إلا أنه أوضح أن "سوريا لم ترد عسكريًا لأن بلاده تسعى لإعادة بناء نفسها"، مما يعكس النهج البراغماتي الجديد للقيادة السورية. وهذا أمر تراه الأوساط المعارضة لنتنياهو إيجابيًا يجب الارتكاز عليه.
ملفات الخلاف الجوهرية
تتركز الخلافات بين الطرفين على ثلاثة ملفات رئيسية تُشكل عقبة في طريق أي اتفاق مستقبلي:
- الانسحاب الإسرائيلي: تمسك سوريا بالانسحاب الكامل من جبل الشيخ والمنطقة العازلة وعمق القنيطرة، ورفض أي وجود عسكري إسرائيلي بعد خط 7 ديسمبر.
- المطالب الإسرائيلية: ترفض دمشق المطالب الإسرائيلية بنزع السلاح الثقيل من جنوب سوريا وإنشاء ممر بري يصل إسرائيل بمحافظة السويداء.
- مرتفعات الجولان: تتصدر قضية مرتفعات الجولان المشهد كالغائب الحاضر في المفاوضات، حيث ترفض سوريا التنازل عن حقها التاريخي والقانوني في هذه الأرض.
معادلة رابح-رابح: نحو سلام شامل
على الرغم من التوترات الحالية، تبقى معادلة السلام الشامل ممكنة، كما يقول الخبراء، داعين الأطراف إلى تجاوز النظرة التكتيكية الضيقة.
فالاتفاق الشامل يتطلب إنهاءً رسميًا لحالة الحرب وإقامة علاقات دبلوماسية كاملة واعترافًا متبادلًا بالسيادة والحدود الدولية. كما يمكن لسوريا أن تتحول إلى محور للتكامل الإقليمي وجسر اقتصادي يربط الخليج بتركيا وأوروبا، مما يفتح آفاقًا جديدة للتعاون الاقتصادي والإقليمي.
اختبار الإرادات
الفرصة التاريخية للمصالحة بين دمشق وتل أبيب ما زالت قائمة، لكن التصريحات الأخيرة والتصعيد الميداني يُشيران إلى أن الطريق لا يزال شائكًا. فالرسالة السورية واضحة من خلال تصريحات الرئيس الشرع ووزير الخارجية الشيباني: إرادة السلام قوية، لكنها ليست على حساب السيادة والكرامة.
الآن، هي اللحظة التي يمكن أن يختار فيها قادة إسرائيل أن يكونوا صناع سلام بدلًا من كونهم محتلين، وأن يكتبوا مع جيرانهم فصلًا جديدًا في تاريخ المنطقة، يكون عنوانه الكرامة والسلام للجميع.
محمد الحمداني - زمان الوصل

تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية