شكّلت التغطية الإعلامية الرسمية للمؤسسات التابعة لوزارة الإعلام خلال الأزمة الأخيرة نقلة نوعية، حيث بدت متكاملة من حيث سرعة نقل الخبر ودقته، واقترانه بمعادل بصري، والاعتماد على مصادر موثوقة، والتصريح الرسمي، والمتابعة المستمرة، والتنويع في الوسائط، وصولاً إلى صياغة سردية مقنعة.
فقد كانت قناة "الإخبارية" أول من نقل نبأ الانفجار في منطقة المزة واصفة إياه بالمجهول المصدر، لتأتي بعد ذلك وكالة "سانا" مؤكدةً وقوع الانفجار ومضافةً تفاصيل أدق عن وجود انفجارين. أما صحيفة "الثورة" السورية، التي بدأت تُظهر فاعلية ملحوظة على وسائل التواصل الاجتماعي مؤخراً، فقد تولت نفي الأخبار المغلوطة التي نشرتها بعض الوسائل، والتي عزت الانفجار خللًا في تدريبات الجيش السوري، ما دفع تلك الوسائل إلى حذف منشوراتها ومقاطع الفيديو القديمة التي استخدمتها.
ثم بدأت آلة الإعلام الرسمي، ممثلةً بإدارة الإعلام والاتصال في وزارة الدفاع، بطرح المعلومات على مراحل بما يتناسب مع سير التحقيقات، بهدف إطلاع الرأي العام على تفاصيل الحادث دون التسبب بالهلع أو التهوين من شأنه. تم ذلك عبر الوكالة الرسمية للأخبار المكتوبة، والقناة "الإخبارية" للمواد المصورة الحصرية التي حددت موقع الحادث والأدوات المستخدمة، وصحيفة "الثورة" بالتعاون مع منصة "كشاف" الجديدة التي يبدو أنها تحظى بوصول إلى دوائر وزارة الإعلام، لتكذيب الأخبار المغلوطة.
ورافق هذه التغطية إبعاد للمؤثرين الشعبيين عن التغطية، مما قلص الخطاب الانفعالي والشعبوي وفسح المجال لوسائل الإعلام بالوصول المباشر إلى موقع الحدث. ساهم هذا النهج في تهدئة المزاج العام، تخفيف التوتر، وإعطاء انطباع بأن الدولة لا تخفي شيئاً، على عكس البيانات المجردة التي كانت تُصدر في الماضي.
واللافت هذه المرة أن وسائل الإعلام الرسمية كانت هي المصدر الأول والأسرع للمعلومات، لدرجة أن القنوات الأخرى اعتمدت على نقل أخبارها أكثر من اعتمادها على مراسليها الخاصين، وذلك بسبب تطابق الرواية الرسمية مع الوقائع على الأرض.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل نشطت عشرات الصفحات الرقمية وغرف العمليات الإعلامية والناشطين في تداول الأخبار الصادرة عن الوسائل الحكومية، مما ساهم في ترسيخ سرديتها وتفوقها، ربما للمرة الأولى منذ سنوات، في مؤشر على تطور كبير وسريع في الأداء الإعلامي المتكامل.
بالتوازي، انتشرت حملة منظمة على وسائل التواصل الاجتماعي تحت هاشتاغ #لن_تتعثر_نهضتنا، ركزت على البعد العاطفي والتحفيزي مع إدراك التحديات دون جزع. كما حاربت السردية الرسمية الخطاب الطائفي ووجهت الاتهام إلى تنظيم "داعش" ومخلفاته، خاصة مع الصدى الرمزي الذي يحمله حي "المزة 86" في الذاكرة الجمعية للسوريين.
باختصار، بدا للمرة الأولى أن هناك غرفة عمليات إعلامية متكاملة الأركان، منسقة وقادرة على توجيه رسائل بسيطة خالية من الحشو، تركز على المعلومة والتوجيه الناعم. كان لهذا الأسلوب الأثر البالغ في احتواء الحدث الذي سعى صناعه إلى أن يكون مدوياً، حيث ساهم الاهتمام الإعلامي المدروس في تسليط الضوء عليه بشكل محكم، طمأنة المواطن، والحد من تداعياته.
سؤال
فهل ما جرى كان محض صدفة، أم أنه إيذان ببدء عهد جديد من السلوك الإعلامي الأكثر احترافية واحتراماً لذكاء الجمهور، وهو ما سنراه يتكرر قريباً؟
زمان الوصل

تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية