بعد سنوات من التهجير القسري، عاد المئات من سكان حمص إلى أحيائهم المدمرة لبدء معركة إعادة البناء. لكن الصدمة الأولى لم تكن في حجم الدمار المادي، بل في مواجهة جديدة مع قطاع الخدمات، وتحديداً شركة الكهرباء، التي حوّلت خدمة أساسية إلى مصدر جديد للقلق والإحباط.
فبمجرد أن فتح العائدون أبواب منازلهم، اكتشفوا أن "عدو" البدايات هو اختفاء عدادات الكهرباء بالكامل. فخلال سنوات الغياب، استغل سارقون حالة الفوضى والخراب لنهب هذه العدادات وبيعها، مما وضع العائدين أمام عبء مالي وإجرائي غير متوقع.
ثمن الغياب: تكاليف باهظة وفواتير "عشوائية"
يواجه المواطن العائد الآن شرطاً قاسياً: دفع تكلفة عداد جديد كاملة. وهي تكلفة "باهظة" تثقل كاهل من يحاول ترميم منزل لا يزال يحتاج إلى آلاف الإصلاحات.
ولم تتوقف المعاناة عند التكلفة؛ فالسكان يشتكون من البيروقراطية المُنهِكة إذ تستغرق الإجراءات اللازمة لتركيب عداد جديد شهوراً طويلة، مما يضطر الأهالي للاعتماد على وصلات بدائية غير آمنة أو العيش في الظلام بشكل كلي.
فواتيرعشوائية
تتصاعد حدة الأزمة بوصول فواتير كهرباء باهظة ومبالغ فيها، حتى للمنازل التي لم يسكنها أصحابها إلا حديثاً. يشير الأهالي إلى أن تقدير الاستهلاك يتم بشكل جزافي في غياب العدادات، أو يتم تحميلهم متأخرات سابقة لا تخصهم.
وتروي صحيفة "الثورة" في تقرير لها قصة الحاج مصطفى، الذي أنهى ترميم بيته ليصطدم بإجراءات إعادة الاشتراك. يجد الحاج مصطفى نفسه الآن مُجبراً على دفع فواتير لم يستهلكها ورسوم وأجور، يشعر معها وكأنه هو "المسؤول عن أعمال النهب والسلب" التي ارتكبتها جهات مستغلة خلال سنوات التهجير.
ويصف أحد المراجعين في الشركة حاله وإهمال الشركة لحاجته بأنه "غير إنساني"، ليأتيه رد موظف صادم ومستهزئ: "روح مد كهرباء وإن شاء الله بيطلع الكشاف وبيعمل لك ضبط وخلّي ينفعك كلامك عن احترام المواطن!".
وفي مشهد مأساوي يعكس الإرهاق النفسي والجسدي، أُغمي على أحد المراجعين وسط التزاحم، ليتم إخراجه إلى الشارع وتمديده على الرصيف حتى أفاق من نوبة الربو التي أصابته.
العدادات جزء من إعادة الإعمار
يشعر العائدون أنهم يدفعون ثمن فساد وإهمال في صيانة الشبكات، حيث يتم تبرير الانقطاعات الطويلة بـ "التقنين"، بينما تبقى الفواتير ثابتة ومرتفعة.
ويطالب الأهالي في حمص بضرورة تدخل الجهات المعنية لوضع آلية استثنائية لدعم العائدين مطالبين باعتبار تركيب العدادات للعائدين بالنسبة للحكومة جزءاً من عملية إعادة الإعمار والدعم، لا عبئاً إضافياً".
ويبقى السؤال مفتوحاً: هل ستخفف شركة الكهرباء هذا العبء وتضع حلاً جذرياً لمشكلة العدادات المسروقة، أم ستبقى تكلفة العودة إلى حمص باهظة، مدفوعة بأسعار العدادات وفواتير لم تستهلك بعد؟
فارس الرفاعي - زمان الوصل

تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية