بعد ثلاثة عشر عاما من الغياب القسري في سجون النظام السوري، أعلنت ابنة المحامي والحقوقي السوري البارز "خليل معتوق"، رنيم معتوق، وفاة والدها رسميًا، منهيةً بذلك سنوات طويلة من الانتظار والأمل الموجع في عودته حيًّا.
وقالت رنيم في منشور مؤثر عبر صفحتها على مواقع التواصل الاجتماعي: "ما الذي يتبقى من الأمل... إهداء إلى والدي خليل معتوق، الذي ينتظرني منذ ثلاث عشرة سنة لأحرره، وأحرر روحي معه... أعلن أنا ابنته، نيابة عن والدتي وأخي، وفاة خليل معتوق رسميًا — ذلك الإنسان الذي أتقن الضحك في كل الظروف، وربما أيضًا في لحظاته الأخيرة، قبل إعدامه".
وأضافت أن "العائلة قررت وضع حدٍّ لسنوات الانتظار القاسي، بعد أن انقطع الأمل بالحصول على أي معلومة مؤكدة حول مصيره أو مكان دفنه"، وأردفت : "قررنا أن نحرر روحه لتغادرنا بسلام، شهيد الحق والكلمة، شهيد العدل والإنسانية".
وأكدت أن موعد الجنازة سيُعلن قريبًا في سوريا وألمانيا (مدينة لايبزيغ)، حيث ستُضاء الشموع لروحه تكريمًا لمسيرته الطويلة في الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات العامة.
صوت المعتقلين
ويُعدّ خليل معتوق (مواليد 1959، قرية المشيرفة – ريف حمص) واحدًا من أبرز المدافعين عن حقوق الإنسان في سوريا خلال العقود الأخيرة.
تخرّج في كلية الحقوق بجامعة دمشق، وبرز في المحاماة منذ الثمانينيات، لكنه اشتهر بفضل دفاعه عن معتقلي الرأي، وتأسيسه المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية، كما ترأس هيئة الدفاع عن معتقلي الرأي والضمير في سوريا.
كرّس معتوق أكثر من عشرين عاما من حياته للدفاع عن المظلومين، فترافع عن معتقلي إعلان دمشق – بيروت (2006)، وعن ناشطين أكراد ومثقفين معارضين من مختلف التوجهات السياسية.
لم تمنعه حالته الصحية الحرجة – إذ كان يعاني من تليف رئوي بنسبة 60% – من مواصلة عمله في المحاكم والسجون، حيث كان صوته حاضرًا في كل قضية إنسانية.
الاعتقال والاختفاء
في صباح 2 تشرين الأول/أكتوبر 2012، اختفى خليل معتوق ومساعده محمد ظاظا أثناء توجههما من صحنايا إلى مكتبه في دمشق.
ورغم نفي النظام السوري المتكرر لاعتقاله، أكدت شهادات معتقلين سابقين رؤيته في فرعي أمن الدولة (285) والمخابرات العسكرية (235) المعروف بـ"فرع فلسطين"، حيث كان يعاني وضعًا صحيًا حرجًا.
ورغم المناشدات الدولية المستمرة، لم تكشف السلطات السورية عن مصيره، لتبقى قضيته مثالًا صارخًا على جريمة الاختفاء القسري التي طالت آلاف السوريين منذ اندلاع الثورة عام 2011.
رمزٌ للحق والكرامة
نال معتوق تقديرًا محليًا ودوليًا لدوره الحقوقي، إذ رشحته منظمات حقوقية لجائزة “فرونت لاين ديفندرز” عام 2020، تقديرًا لشجاعته في الدفاع عن السجناء السياسيين.
كما وصفته منظمة العفو الدولية بأنه “ضمير سوريا الحر”، مشيرةً إلى أن اعتقاله جاء نتيجة عمله المشروع في الدفاع عن حقوق الإنسان.
وقالت المنظمة إن معتوق "لم يخشَ الاعتقال يومًا، بل كان يتوقعه، وظل مؤمنًا برسالته حتى النهاية".
رمز إنساني خالد
ورحيل خليل معتوق – وإن جاء متأخرًا في الإعلان – يشكّل فصلًا حزينًا في مسيرة المدافعين عن حقوق الإنسان في سوريا، لكنه في الوقت نفسه يخلّد اسمه كرمزٍ للشجاعة والنزاهة والموقف المبدئي.
وكما ختمت ابنته رسالتها المؤثرة: "هنا تنتهي قصة خليل معتوق، لتبدأ قصتنا نحن مع ما تركه لنا من نورٍ وإصرارٍ وحبٍ للحياة."
فارس الرفاعي - زمان الوصل

تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية