يشهد الوضع الاقتصادي في سوريا تحولاً جذرياً في السياسات، حيث انتقلت الدولة من نظام الدعم الشامل إلى سياسة رفع الدعم تدريجياً. بدأت هذه السياسة في اليوم التالي لسقوط نظام الأسد.
بدأت سياسة تحرير الأسعار تدريجياً بسلع أساسية مثل الخبز، الذي شهد ارتفاعاً كبيراً في سعره بلغ قرابة عشرة أضعاف سعره السابق، حيث ارتفع من 400 ليرة سورية للرغيف الواحدة إلى 4000 ليرة حالياً مع وعود جازمة برفعه إلى سعر التكلفة على أقل تقدير. وادعت تقارير حكومية أن هناك نقصاً في الاستهلاك نتج عن قرار الرفع تجاوز نسبة 40%.
السلع الثانية التي شملتها سياسة تحرير الأسعار هي المحروقات النفطية، التي أصبحت مسعرة ومرتبطة بشكل كامل بسعر صرف الدولار في السوق لكل المواد تقريباً مثل المازوت والبنزين والغاز، حيث تم تحديد سعر أسطوانة الغاز سعة 10 كغ بمبلغ 11.6 دولاراً أو ما يعادله وفق سعر الصرف في السوق الموازية.
في يوم الخميس الموافق 30 تشرين الأول، قامت الحكومة السورية ممثلة بوزير الطاقة محمد البشير برفع سعر تعرفة الكهرباء ليصل سعر الكيلوواط إلى 600 ليرة سورية لأول 300 كيلوواط ساعي، مبررة ذلك بشح الموارد وارتفاع معدلات الاستهلاك والهدر الكبير في الطاقة. واستفاض المتحدث الرسمي ومسؤول العلاقات العامة في الوزارة أحمد السليمان بالحديث عن أن رفع السعر ضروري لاستمرار الخدمة ولجلب شركات تعمل وتستثمر في القطاع الكهربائي، وضروري لتجنب خسائر سنوية متوقعة تتجاوز المليار دولار. وعملية الرفع ضرورية لترشيد الاستهلاك وزيادة ساعات التغذية.
على الجانب المقابل، وفي محاولة لتعويض تأثير رفع الدعم على المواطنين، قامت الحكومة بزيادة الرواتب بنسبة وصلت إلى 200% وشملت المتقاعدين والعاملين.
النتائج التي ترتبت على سياسة الرفع غير المدروسة هي أقل وصف يمكننا إطلاقه على هذه السياسات، وهي غير مدروسة وغير مسؤولة.
سحق الطبقة الاجتماعية الفقيرة حصل ويستمر نتيجة سياسة رفع الدعم السريع والارتجالي.
بدلاً من رفع الدعم كان يجب منع استيراد السلع الكمالية، وهنا على سبيل المثال عدد السيارات التي دخلت تجاوز وفق التصريحات الرسمية 600 ألف سيارة والتي تتجاوز قيمتها 4 مليار دولار. والعمل على تثبيت سعر الصرف لليرة السورية واتباع سياسة تخفيف الاستيراد ودعم الإنتاج. وتشكيل شبكة أمان اجتماعي لدعم الطبقات الأقل دخلاً في المجتمع.
الحكومة الحالية تعالج المشاكل الموجودة بشكل منفصل وبمعزل عن الواقع ودراسة المجتمع والآثار المجتمعية، وهذا سيشكل خطأً جسيماً وخاصة في وضع اقتصادي هش. يتحدث حاكم المصرف المركزي عن أن سعر الصرف سيكون سعر السوق بدون تدخل رسمي وفقاً للاستيراد والتصدير، هذا الإجراء يناسب الإمارات وقطر والسعودية ولا يناسب سوريا التي تحتاج كل دولار. ارتفاع سعر الصرف يؤثر على كل شيء في سوريا بتأثير مضاعف، وكان الأجدر به العمل على كبح الاستثمار إلا في وسائل الإنتاج وإعادة الإعمار وتشجيع التصدير.
حصلت هناك زيادات للرواتب في بعض القطاعات كالقضاء والأمن العام والجيش، إلا أن هذه الزيادة لم تكن عادلة في توزيعها، إذ أدت إلى فجوة شاسعة بين رواتب القطاعات المختلفة. فبينما يبلغ راتب موظف فئة ثانية في المحاكم والقضاء حوالي 250 دولاراً، ونظيره في قطاع حكومي آخر يبلغ راتبه حوالي 90 دولاراً رغم نفس الكفاءة والمؤهل الدراسي وغيرها.
على مستوى الجيش، يبلغ الحد الأدنى للراتب 250 دولاراً ويصل إلى 1000 دولار لقائد اللواء 700 لنائبه. وهناك سياسة إنفاقية غير مبررة في ظل الوضع الحالي، فهذا الجندي وهذا الضابط من أبناء الوطن ويرتفع راتبه عن الموظف لطبيعة عمله ولظروف خدمته. أما أن يكون له راتب يبلغ 10 أضعاف راتب الأكاديمي الجامعي فهنا نحتاج للوقوف قليلاً وتقييم هذا الخيار والسياسة.
قامت الحكومة الحالية بسياسة التخلي عن الموظفين ودفعهم للاستقالة، حيث رافقت هذه الإجراءات عمليات فصل للموظفين المتعاقدين ومنح إجازات مأجورة في القطاع العام، في مقابل إنفاق غير مبرر على الأثاث والسيارات والرواتب لموظفي ومتعاقدي حكومة الإنقاذ، والتي تجاوزت في بعض الحالات الحدود المعقولة. هذه القرارات تحمل مخاطر كبيرة على الاستقرار الاجتماعي.
من المفترض أن تنعكس سياسة رفع الدعم إيجاباً على جميع شرائح المجتمع، وليس على فئة محدودة كالجيش والأمن العام والقضاء فقط. حيث ينبغي مراعاة أوضاع العاطلين عن العمل والأشخاص غير القادرين على العمل وكبار السن والأرامل.
كما أنه من غير المقبول أن يذهب معظم الدعم لتمويل الرواتب والأجهزة الأمنية، مما يؤدي إلى تقليل الاستهلاك في قطاع وزيادته في قطاع آخر.
السؤال المهم: هل تمت زيادة الرواتب في القطاع الخاص استجابة للتغيرات الجديدة في السياسات الحكومية؟
الجواب الأكيد هو لا.
فالتكاليف الثابتة والمتغيرة زادت على القطاع الخاص عبر زيادة سعر المحروقات وتكاليف التشغيل ونقل العمال ونقل البضائع والمواد الأولية وزادت أيضاًتكاليف التأمينات حيث كان يسجل العمال بالحد الأدنى للرواتب والذي ارتفع إلى 8750 ليرة سورية، بالإضافة إلى ضعف القوة الشرائية في المجتمع حيث أصبحت الأساسيات تستهلك معظم الراتب.
إن إنعاش القطاع الخاص يعد ضرورة ملحة لخلق فرص عمل جديدة. وينبغي أن تخضع القرارات الاقتصادية لدراسة شاملة من جميع الجوانب، وأن تستند إلى رؤية استراتيجية شاملة تخدم مصلحة البلاد. هذه المرحلة تتطلب التركيز على القطاعات الأساسية وتأجيل الإنفاق على الكماليات.
في النهاية السياسات الحكومية يجب أن تراعي المجتمع وأن تكون ممثلة لرغبة المجتمع ومصالحه وليست خاضعة لرغبة ورؤية الرئيس فقط.
نحن شعب يرغب بالأمان والاستقرار،لا نريد أن نعاني ونستمر بسياسات مراهقة غير مدروسة في ظل ظروف الاقتصاد الهش.
نريد سياسات نقدية لحماية المجتمع من تقلبات سعر الصرف.
نريد قانون عمل يحمي الموظفين من اجتهادات المدراء والوزراء.
نريد قانوناًيمنع الإنفاق غير المسؤول على السيارات والأثاث والبيوت.
نريد حماية مجتمعية بالقوانين للفقراء والأرامل واليتامى.
نريد قوانين تحمينا عندما ننتقد السياسات الحكومية.
نريد أن يكون هناك مجلس اقتصادي يتخذ ويقر السياسات الاقتصادية للبلد.
نريد أن تكون هموم الدولة المجتمع وليس أن تتصرف وكأنها شركة خاصة.
توقفوا عن الثرثرة لأننا نرى أفعالاًتعاكس الأقوال، توقفوا عن التملق أمام الشاشات ليلاً نهاراً.
زمان الوصل

تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية