تتواصل عودة السوريين المقيمين في تركيا إلى وطنهم عبر معبر جيلفه غوزو الحدودي في قضاء ريحانلي بولاية هاتاي، ضمن موجات العودة الطوعية التي بدأت بالتصاعد خلال العام الجاري، حيث رصدت عدسة وكالة إخلاص التركية لحظاتٍ إنسانية مؤثرة لعائلاتٍ تستعد لمغادرة الأراضي التركية بعد سنواتٍ من اللجوء.
ووصفت الوكالة اللحظات الأخيرة في مغادرة اللاجئين السوريين البلاد فمع ساعات الصباح الأولى، ازدحمت ساحة المعبر بالعائلات السورية التي تجمع بين متاعها القليل وذكرياتها الكثيرة. تعالت أصوات الأطفال الممسكين بحقائب صغيرة، بينما ودّعت الأمهات جيرانهن وأصدقاءهن الأتراك الذين أصبحوا كالعائلة. مشاعر الحنين والحزن امتزجت بالعرفان تجاه الشعب التركي الذي احتضنهم طوال سنوات الحرب.
ووقف مصطفى الحاجي، البالغ من العمر خمسة عشر عامًا، أمام بوابة المعبر متأملًا الطريق المؤدي إلى إدلب. قال بصوتٍ يغلب عليه التأثر وقال للمصدر: "وُلدتُ ونشأتُ في هاتاي، وفقدتُ عائلتي في الزلزال. علقتُ تحت الأنقاض 13 يومًا، وفقدت أمي وأبي وأختي وأختي الكبرى. الآن أعود إلى سوريا لزيارة قبورهم، ولأبدأ حياة جديدة هناك. جمعت المال خلال عملي في تركيا، وسأعيد بناء منزلنا في إدلب. لن أنسى ما قدمته لنا تركيا، لقد كانت لنا وطنًا ثانيًا".
وعلى الجانب الآخر من المعبر، كانت الطفلة "مريم علي"، ذات التسعة أعوام، تبكي وهي تودّع أصدقاءها الأتراك، قائلةً: "وُلدتُ في تركيا وأحبها كثيرًا. تركيا وطني الثاني. سأفتقد أصدقائي هنا ولن أنساهم أبدًا".
أما "طارق أمين"، الذي عاش خمس سنوات في تركيا وعمل في مجال البناء، فأكد أنه يعود إلى بلاده بتفاؤلٍ كبير: "عادت الحياة إلى طبيعتها في سوريا. سأذهب إلى إدلب حيث عائلتي. أشكر الشعب التركي الذي عاملنا بكرمٍ ومحبة، لقد فتحوا لنا قلوبهم وبيوتهم".
تُظهر المشاهد التي وثّقتها وكالة إخلاص مدى التأثر العميق لدى المغادرين، إذ يحمل كل فرد منهم قصةً مختلفة، لكنهم يجتمعون على مشاعر الامتنان لتركيا التي كانت لهم وطنًا ثانيًا وملاذًا آمنًا طوال سنوات الحرب.
حملات العودة الطوعية
ومنذ اندلاع الثورة في سوريا عام 2011، استقبلت تركيا ملايين اللاجئين السوريين، لتصبح الدولة الأكبر في استضافتهم، حيث حصل معظمهم على وضع الحماية المؤقتة. ومع ما تصفه السلطات التركية بتحسن الأوضاع الأمنية في مناطق شمال سوريا، بدأت حملات العودة الطوعية تتسع تدريجيًا.
ورغم تزايد أعداد العائدين، لا يزال مئات الآلاف من السوريين يقيمون في تركيا، حيث تتنوع أسباب بقائهم بين ظروف العمل والتعليم والعلاقات الاجتماعية التي كوّنوها خلال أكثر من عقد.
أرقام وإحصاءات
وفقًا لوزارة الداخلية التركية، بلغ عدد السوريين الخاضعين للحماية المؤقتة نحو 3:5 مليون شخص عام 2022، وانخفض إلى حوالي 2:5 مليون حتى أغسطس 2025.
وتشير البيانات الرسمية إلى أن أكثر من 1:19 مليون سوري عادوا إلى بلادهم من تركيا بين عامي 2016 -2025 منذ ديسمبر 2024، بعد التغيّرات السياسية في دمشق، عاد ما يقارب 175 ألف سوري طوعًا إلى وطنهم حتى أبريل 2025.
كما توقّعت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) أن يصل عدد العائدين من تركيا إلى نحو 700 ألف شخص بنهاية عام 2025.
وفي الأيام التي تلت سقوط النظام السوري أواخر عام 2024، تم تسجيل عودة أكثر من 7600 سوري خلال خمسة أيام فقط.
وبين الدموع والدعاء، يغادر السوريون تركيا شاكرين شعبها الذي احتضنهم طيلة سنواتٍ صعبة، حاملين معهم ذكرياتٍ لا تُنسى، وآمالًا بحياةٍ جديدة في وطنٍ يسعون لإعماره من جديد.
فارس الرفاعي - زمان الوصل

تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية