
بعد أشهر من الكشف الصحفي الذي أطلقته جريدة "زمان الوصل" و"حكومة الظل" حول ملف فساد ضخم، تحركت الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش في الجمهورية العربية السورية، وكشفت عن مخالفات مالية وفنية بعشرات مليارات الليرات السورية في عقود توريد بين مؤسسات حكومية.
وكانت "زمان الوصل" قد نشرت في 4 يونيو هذا العام، مادة صحفية تحت عنوان "700 مليار ليرة فساد في عقود وهمية بين العمران والسورية للغاز.. والملف ما يزال مطويًا"، كاشفة عن تفاصيل عقود ومناقصات تجاوزت قيمتها 700 مليار ليرة سورية، أُبرمت بطريقة التراضي بين "مؤسسة العمران" التابعة لوزارة التموين، و"الشركة السورية للغاز" التابعة لوزارة النفط، خلال أعوام 2022 و2023 و2024.
وأشارت الوثائق والمصادر التي اعتمدت عليها "زمان الوصل" إلى أن هذه الصفقات جرت بتواطؤ من مسؤولين كبار وتجار، ومن أبرز المتهمين في هذه القضية، وفقاً للمعلومات المسربة، مدير "السورية للغاز" أمين داغري. وتكشف تفاصيل أن داغري، المدان سابقاً بتهم فساد، كان مسجوناً قبل أن يتمكن من الفرار من السجن يوم 8 كانون الأول/ديسمبر 2024 (يوم سقوط النظام)، ليتم تعيينه لاحقاً في منصب مدير الشركة السورية للغاز، قبل أن يفر مجدداً ليصبح مديراً "فاراً" بعد إعادة فتح ملفات الفساد.
كما شمل التورط كلاً من: مدير معمل غاز الجنوب فادي الإبراهيم، ورئيس لجنة الاستلام زياد الأحدب. وشمل أيضاً مديري فروع "مؤسسة العمران" المعنيين: أحمد بكار (مدير فرع ريف دمشق)، وعلي رستم (مدير فرع دمشق). وقد تم تمرير هذه العقود عبر تجار رئيسيين هم: رياض الرداوي، وعبد القادر الجاسم، وعهد الريس.
وكشفت "زمان الوصل" حينها أن العقود وُقّعت بأسعار مبالغ بها، وتضمنت أرباحًا تجاوزت 400%، وأن عدداً من صغار المتهمين الذين أوقفوا قبل سقوط النظام فروا من السجن في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، تاريخ السقوط، وعاد بعضهم لاحقًا إلى مواقعهم.
وبعد أشهر من النشر، أعلنت الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، اليوم، عن نتائج أعمال بعثة تفتيشية قامت بتدقيق "العلاقة العقدية بين شركة عامة عاملة في قطاع النفط والغاز ومؤسسة عامة لتجارة المعادن ومواد البناء"، في عقود توريد تمت خلال سنوات سابقة، في إشارة تتطابق مع ملف العمران والسورية للغاز.
وأكد بيان الهيئة أنه نظراً لعدم توافر المواد في مستودعات المؤسسة التجارية، تم التعاقد مع موردين ثانويين لتأمين الاحتياجات إلى معامل الشركة النفطية في بادية حمص.
وكشفت أعمال التدقيق، التي استعانت بلجان خبرة فنية، عن وجود "فروقات سعرية كبيرة تجاوزت 32 مليار ل.س (2.832.860 $)"، إلى جانب "ملاحظات فنية تتعلق بعدم مطابقة عدد من المواد للمواصفات المطلوبة".
وبناءً على حجم الضرر الذي لحق بالأموال العامة، تم حصر المسؤوليات واتخاذ إجراءات احترازية بحق المعنيين من الإدارتين والموردين الثانويين – التي تشمل أسماء المديرين والتجار المذكورين في التقرير - شملت الحجز الاحتياطي على الأموال ومنع المغادرة، وذلك بهدف تحصيل مبلغ الضرر.
ويأتي تحرك الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش ليؤكد ما كشفت عنه "زمان الوصل"، ويسلط الضوء على عمق شبكات الفساد التي كانت تعمل بمنأى عن المحاسبة، حتى بعد إدانة بعض المسؤولين وتورطهم في تهم سابقة.
زمان الوصل

تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية