
بعد مرور أكثر من عقد من الزمن، تعود شهادة حية لتكشف تفاصيل جديدة ومؤلمة عن مصير عائلة بأكملها أبيدت في مجزرة دوما بتاريخ 21 يونيو/حزيران 2012. القصة تروي المصير المأساوي للمدرّسة نهى عيون، التي كانت تعمل في إحدى المدارس الابتدائية، وأطفالها الذين تحولوا إلى أرقام في سجلات الموت والغياب القسري.
في ذلك اليوم، وكما تروي إحدى قريبات العائلة، كان الملجأ الذي يضم عائلة المدرّسة نهى ملاذاً أخيراً من القصف، قبل أن تقتحمه قوات الجيش وتُفرغ رصاصها على كل من فيه. تقول الشاهدة: "أخرجوا الجميع ورشوهم بالرصاص. في لحظات، تحولت العائلة إلى جثث ومصابين ملقاة على الأرض".
لم تتوقف الجريمة عند هذا الحد، بل بدأت فصول أخرى من الوحشية، حيث تم جمع الضحايا، أحياءً وأمواتاً، في سيارة "سوزوكي" صغيرة انطلقت بهم إلى المجهول.
موت متعمد في المشفى ومصير مجهول
بدأت رحلة البحث المريرة للعائلة بين مستشفيات دمشق وريفها، لتصطدم بحقائق أكثر إيلاماً. تم العثور على جثمان الطفلة سيدرة السليك في أحد المشافي، لكن قصتها تكشف عن موت متعمد وممنهج. تروي الشاهدة: "وجدنا سيدرة على قيد الحياة، كانت على جهاز التنفس الاصطناعي. لكن بمجرد وصول عناصر الأمن إلى المشفى، قاموا بقطع الكهرباء عن المبنى بأكمله، مما أدى إلى وفاتها على الفور".
هذه الحادثة لم تكن استثناءً، فقد عُثر على جثامين أخرى وقد تعرضت للتنكيل بعد استشهادها، حيث وُجدت سكين مغروزة في رقبة أحد الضحايا الذين فارقوا الحياة بالرصاص.
وبينما تم توثيق مصير سيدرة المأساوي، بقي مصير شقيقيها ياسر السليك (17 عاماً) وآيات السليك (12 عاماً)، ووالدتهما المدرّسة نهى عيون، معلقاً بين الشك واليقين.
مقبرة نجها: حيث للضحايا أرقام بلا أسماء
قاد البحث العائلة إلى مقبرة نجها، التي كانت المقصد الأخير لمئات الجثامين التي كانت تصل يومياً من دوما. هناك، تبدد الأمل الأخير في العثور على أثر للمفقودين. "المسؤول عن المقبرة لم يكن يعرف سوى الأرقام"، تقول الشاهدة. "كانت الجثث مشوهة لدرجة تجعل التعرف عليها مستحيلاً، ولم نتمكن من معرفة أي شيء".
بعد 12 عاماً، لا يزال السؤال الأكبر يطارد من تبقى من العائلة: هل ياسر وآيات ووالدتهما من بين المعتقلين في غياهب السجون، أم أن جثامينهم أُخفيت قسراً في مقابر جماعية مجهولة لطمس معالم الجريمة؟
تظل قصة المدرّسة نهى عيون وأطفالها سيدرة وياسر وآيات شهادة حية على الوحشية التي طالت المدنيين السوريين، وتجسيداً لمعاناة آلاف العائلات التي ما زالت تبحث عن الحقيقة وتتوق إلى تحقيق العدالة لأحبائها الذين تحولوا إلى مجرد "رقم" في مقبرة أو اسم في قائمة غياب لا تنتهي.
زمان الوصل

تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية