أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

السفارات السورية في عهد النظام البائد: دبلوماسية الموت العابرة للحدود

منذ سبعينيات القرن الماضي، لم تكن السفارات السورية مجرد بعثات دبلوماسية تمثل الدولة في الخارج، بل تحولت إلى خلايا أمنية سرية تعمل تحت غطاء دبلوماسي، تُدار من قبل ضباط مخابرات متخصصين في تنفيذ عمليات الاغتيال، والاختطاف، والتفجير. كانت هذه السفارات امتدادًا لذراع النظام القمعي، تستهدف كل من يعارضه أينما وجد، في انتهاك صارخ للقانون الدولي ومبادئ السيادة الوطنية للدول المضيفة. 

هندسة الرعب: من الدبلوماسية إلى التصفيات
أشرف على هذه الشبكة العقيد نديم عمران والمقدم أحمد عبود، الذي تولى لاحقًا إدارة مكتب حافظ الأسد، ثم بشار الأسد. كُلّف الاثنان بمهام تشمل:
- جمع المعلومات عن المعارضين والمنفيين.
- مراقبة النشاطات السياسية والثقافية المناهضة للنظام.
- تخزين الأسلحة والمواد المتفجرة داخل السفارات.
- تنفيذ عمليات اغتيال نوعية ضد رموز فكرية وسياسية.

امتدت هذه العمليات إلى أوروبا والخليج والشرق الأوسط، عبر سفارات في فرنسا، ألمانيا، بريطانيا، السعودية، تركيا وغيرها، ما حول "الدبلوماسية السورية" إلى شبكة استخباراتية عابرة للحدود، لا تعترف بجغرافيا ولا بسيادة. 

وثيقة رسمية تكشف المستور
في مذكرة صادرة عن مدير إدارة المخابرات العامة بتاريخ 19/9/2005 تحت الرقم 144، كُشف عن إرسال شحنات من الأسلحة والسموم إلى السفارات خلال أحداث الإخوان المسلمين عام 1979. تضمنت الشحنة:
- مسدسات ورشاشات.
- كواتم صوت وقنابل مغناطيسية.
- مواد متفجرة وسموم.

ورغم التحذير من أن "وجود هذه المواد في السفارات يشكل خطرًا على سمعة القيادة السورية"، فإن الواقع كشف أن هذه الأسلحة استُخدمت في عمليات هجومية ممنهجة، لا دفاعية، ضمن حملة تصفية منظمة ضد المعارضين.



نماذج من الاغتيالات العابرة للحدود
- باريس 1980: اغتيال صلاح الدين البيطار، أحد مؤسسي حزب البعث، بعد تحوله إلى معارض شرس. قُتل أمام مكتبه برصاصة يُعتقد أنها من جهاز المخابرات السوري، في عملية هزّت الأوساط السياسية الفرنسية.
- ألمانيا 1981: اغتيال بنان الطنطاوي، زوجة المعارض عصام العطار، بخمس رصاصات داخل منزلها، في عملية نفذها عميل استخباراتي بعد أن أجبر الجارة على طرق الباب تحت تهديد السلاح.
- لبنان: اختطاف وتعذيب الباحث الفرنسي ميشال سورا حتى الموت، وسط صمت دبلوماسي مريب، إضافة إلى اغتيال المفتي حسن خالد وعدد من الرؤساء من بشير الجميّل إلى رينيه معوض، والوزير إيلي حبيقة، في عمليات تشير إلى تورط مباشر من ضباط المخابرات السوريين والسفارة السورية. كما شملت العمليات اغتيال الرئيس رفيق الحريري وغيره، في جرائم جرى ترتيبها وتخطيطها داخل السفارة السورية.
- الأردن: محاولة اغتيال اللواء مضر بدران، واغتيال الضابط المسرّح عبد الوهاب البكري في عمّان عام 1980.
- يوغوسلافيا: اغتيال الطالب السوري محمود ودعة في بلغراد عام 1981.
- إسبانيا: اغتيال التاجر المغترب نزار الصباغ في برشلونة عام 1981.

كما تعاون النظام مع الإرهابي الدولي "كارلوس" لتنفيذ عمليات مدفوعة الأجر ضد شخصيات سورية معارضة ومؤسسات صحافية، ضمن حملة تصفية للرموز الفكرية والسياسية. 

شبكة المراقبة والتجسس
بحسب تقارير حقوقية حديثة، استخدمت السفارات السورية شبكة مراقبة متطورة شملت 17 دولة، منها فرنسا، بلجيكا، السعودية، قبرص، واليونان. تم توثيق عمليات تجسس على اللاجئين والمعارضين، ورفع تقارير أمنية إلى دمشق، في انتهاك صارخ لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية. 

خلاصة أمنية
- السفارات السورية كانت أدوات قمع خارجي، لا مؤسسات دبلوماسية.
- الاغتيالات نُفذت بتخطيط دقيق وبأوامر مباشرة من القيادة الأمنية العليا.
- الوثائق الرسمية تثبت وجود أسلحة ومتفجرات داخل السفارات، مما ينسف أي ادعاء بالطابع السلمي للدبلوماسية السورية.
- الضحايا كانوا رموزًا فكرية وسياسية استُهدفوا لتأثيرهم الرمزي والمعنوي، ولأنهم شكّلوا خطرًا على نظام طائفي قائم على الإقصاء والتصفية. 

سقط النظام الطائفي البائد، وبقيت ذاكرة الضحايا شاهدة على "دبلوماسية الموت" التي مارسها، وعلى أن الدم لا يُمحى من أرشيف التاريخ مهما طال الزمن.

سليمان الحسيني - زمان الوصل
(46)    هل أعجبتك المقالة (9)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي