أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

تحديات ما بعد الأسد: شبكات الكبتاغون بين التفكيك وإعادة التموضع

المادة مبنية على وثائق رسمية..

برغم الانهيار السريع لنظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، والذي كان مرتبطاً على نطاق واسع بتجارة الكبتاغون كأحد أهم مصادر دخله، فإن مكافحة هذه الصناعة غير المشروعة لا تزال تمثل تحدياً رئيسياً أمام السلطات السورية الجديدة والمجتمع الإقليمي والدولي. 

كانت سوريا تُعدّ المركز العالمي الرئيسي لإنتاج الكبتاغون، حيث تجاوزت عائداته المليارات من الدولارات، متفوقة على الصادرات القانونية للبلاد. 

وقد أشارت تقارير ومنظمات دولية إلى أن هذه التجارة كانت تعمل تحت حماية شبكات نافذة ومسؤولين مقربين من النظام السابق، على رأسهم الفرقة الرابعة التي كان يقودها ماهر الأسد. 

دور "معامل الأدوية" في شبكات الكبتاغون
كما تفيد التقارير الواردة، كانت معامل الأدوية المرخصة، أو تلك التي تتخذ منشآت صناعية واجهة لها، تلعب دوراً محورياً في هذه الصناعة الإجرامية لسببين رئيسيين:
- استيراد المواد الأولية (السلائف الكيميائية): استغلت هذه المعامل تراخيصها الدوائية لاستيراد كميات ضخمة من المواد الكيميائية الأساسية اللازمة لتصنيع الكبتاغون، والتي كان من الصعب استيرادها بشكل غير قانوني بهذه الكميات. ومن ثم يتم تحويل هذه المواد إلى معامل سرية، بعضها يتبع مباشرة لجهات أمنية (كالفرقة الرابعة) أو لشركاء تجاريين موثوق بهم.

- التصنيع والتغطية: يُعتقد أن جزءاً كبيراً من الإنتاج كان يتم داخل هذه المعامل الخاصة أو في منشآت قريبة منها، ما يوفر غطاءً لوجستياً ومهنياً لعمليات الإنتاج والتخزين والتعبئة، قبل إخفائها في شحنات معدة للتصدير عبر الموانئ أو الحدود البرية.

الإجراءات الحكومية الجديدة والواقع الميداني
أكدت الحكومة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع التزامها بالقضاء على تجارة الكبتاغون، وقد تم اتخاذ خطوات علنية بهذا الاتجاه:
- ضبط المصانع: أعلنت وزارة الداخلية السورية في يونيو 2025 ضبط وتفكيك "جميع" معامل إنتاج الكبتاغون المعروفة التي كانت تعمل في عهد النظام السابق، وتركز معظمها في ريف دمشق، المناطق الحدودية مع لبنان، والساحل السوري.

- إتلاف المضبوطات: تم الإعلان عن إتلاف ملايين من حبوب الكبتاغون في مختلف المناطق، في محاولة للإشارة إلى تغيير في نهج الدولة.

لكن، وبالرغم من هذه الجهود، تحذر تقارير دولية ومحلية من أن القضاء التام على تجارة الكبتاغون أمر معقد، وذلك للأسباب التالية:
- تفكك الشبكات بدلاً من إزالتها: يشير خبراء إلى أن الصناعة قد تحولت من نموذج الإنتاج المركزي إلى نموذج أكثر تجزؤاً، حيث ظهرت مختبرات أصغر في مناطق ذات سيطرة حكومية محدودة، مثل السويداء.

- عودة الوجوه السابقة: كما تشير التقارير المتداولة عن عودة أفراد محددين (مثل غيث الأنصاري، عبد الرزاق الزعيم، علي توفيق يونس وشقيقه) إلى ممارسة أعمالهم، فهذا يمثل دليلاً على أن الهياكل والشبكات المالية والإدارية التي كانت تدير هذه التجارة قد نجت من التفكيك الكامل. إن عودة هؤلاء الأفراد إلى "الواجهة" عبر معاملهم المرخصة يوحي بأنهم قد يحاولون استئناف عملياتهم في ظل الغموض الاقتصادي والأمني الذي يواجه الإدارة الجديدة، أو أنهم يسعون لاستغلال مرحلة الانتقال لإعادة تفعيل أعمالهم بالحد الأدنى من الرقابة.

- الحاجة الاقتصادية: يظل الاقتصاد السوري في أزمة عميقة، مما يوفر حافزاً قوياً لاستمرار الأنشطة غير المشروعة، سواء بالنسبة للعصابات الإجرامية أو الأطراف التي تحتاج إلى التمويل.

إن عودة نشاط تجار الكبتاغون المعروفين من خلال منشآتهم الخاصة، وخاصة معامل الأدوية، تُسلط الضوء على أن معركة تفكيك دولة الكبتاغون لا تزال في بدايتها. فالصراع الفعلي يكمن في تفكيك الشبكات الاقتصادية واللوجستية العميقة التي كانت تعمل تحت الغطاء الرسمي، ومنعها من إعادة التموضع والتكيف مع المشهد السياسي والأمني الجديد في سوريا. 


زمان الوصل
(10)    هل أعجبتك المقالة (10)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي