أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

عقد على التدخل الروسي بسوريا.. ذاكرة الضحايا تطالب بالعدالة

عشر سنوات على التدخل الروسي في سوريا - أ ف ب

تمرّ الذكرى العاشرة للتدخل العسكري الروسي في سوريا وسط مناخ سياسي مختلف تماماً عمّا كان عليه الحال عند انطلاق أولى الغارات الروسية في 30 أيلول/سبتمبر 2015. حينها، تدخلت موسكو بمزاعم "محاربة الإرهاب"، لكنها في الواقع – وفق تقارير حقوقية وأممية – صاغت مسار النزاع السوري لصالح بقاء نظام بشار الأسد، وأسهمت في تحويل ميزان القوى عبر تدخل عسكري مباشر، كان الأكثر تأثيراً منذ اندلاع الثورة عام 2011.

واليوم، عقب سقوط النظام في كانون الأول/ديسمبر 2024، ولجوء الأسد إلى روسيا، طالبت الشبكة السورية لحقوق الإنسان من خلال تقرير لها موسكو بتحمل مسؤولياتها القانونية والسياسية، عبر الاعتراف بالانتهاكات، وتقديم اعتذار رسمي، وتسليم الأسد إلى العدالة، بالإضافة إلى إطلاق برنامج تعويض للضحايا وإعادة إعمار المرافق التي دُمّرت بفعل القصف الروسي.

سجل ثقيل من الانتهاكات
ووثق التقرير الصادر عن الشبكة مقتل 6993 مدنياً خلال تسع سنوات من التدخل الروسي، بينهم 2061 طفلاً و984 سيدة، وهو رقم يشير إلى أن الهجمات لم تقتصر على مواقع عسكرية بل استهدفت على نطاق واسع مناطق مأهولة بالسكان. كما أحصى التقرير 363 مجزرة، 1262 هجوماً على منشآت مدنية، بينها مدارس ومشافٍ وأسواق.

وهذه الأرقام تعكس– بحسب خبراء القانون الدولي– نمطاً متكرراً من الانتهاكات يرقى إلى مستوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، خاصة مع استخدام ذخائر محرمة كالقنابل العنقودية، وتكرار استهداف المرافق الطبية، ما شكّل ضربة مباشرة لمنظومة الحماية الدولية للمدنيين.

مظلة سياسية
لم يقتصر الدور الروسي على الطائرات والصواريخ، بل تعدّاه إلى تعطيل أي مسار سياسي قد يفضي إلى انتقال السلطة. فمنذ 2015، استخدمت موسكو حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن 18 مرة، 14 منها بعد تدخلها العسكري، لمنع إدانة النظام أو فرض عقوبات عليه. كما صوّتت ضد قرارات إدانة في مجلس حقوق الإنسان 21 مرة، ما جعلها مظلة سياسية ودبلوماسية للأسد.

وبالتوازي، دفعت روسيا بمسارات تفاوض بديلة مثل أستانا وسوتشي، التي حوّلت مسار جنيف الأممي إلى إطار شكلي، وأضعفت المطالب الشعبية بالانتقال السياسي والعدالة. ووفقاً للتقرير، فقد استغلت موسكو نفوذها للتلاعب بملف المساعدات الإنسانية، ومنع إدخالها عبر الحدود بشكل مستقل، بهدف تعزيز سيطرة النظام.

من التحالف إلى المأزق
وأضاف التقرير أن التدخل الروسي ساعد الأسد على استعادة السيطرة على مناطق استراتيجية مثل حلب والغوطة ودرعا وإدلب، لكن ذلك ترافق مع دمار هائل ونزوح ملايين السوريين. ومع سقوط النظام نهاية 2024، وجدت موسكو نفسها في مأزق سياسي وقانوني، إذ باتت مطالب المحاسبة تطالها بشكل مباشر، خصوصاً مع استمرارها في إيواء الأسد.

مطلوب اعتذار واضح
ولخص مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني الموقف بالقول: "بعد عشر سنوات من التدخل، وما خلّفه من آلاف الضحايا واستخدام أسلحة محرمة واستهداف المرافق الحيوية، لا يمكن تجاهل الجرائم أو تجاوز مسؤولية روسيا. أي علاقة جديدة معها يجب أن تبدأ باعتراف رسمي، واعتذار واضح، وتسليم بشار الأسد للعدالة".

ويرى خبراء أن الملف الروسي بات اختباراً جدياً لفكرة العدالة الانتقالية في سوريا: هل ستكون العدالة محور إعادة الإعمار والعلاقات الدولية، أم يتم القفز عليها كما حدث في تجارب دول أخرى؟ الشبكة أكدت أن حقوق الضحايا يجب أن تكون "في المركز"، وأن أي إعادة إعمار لا تستند إلى اعتراف بالجرائم وضمانات بعدم تكرارها، ستعيد إنتاج المأساة بدلاً من معالجتها.

وبعد عشر سنوات على أولى الغارات الروسية في سماء سوريا، تغيّرت المعادلات السياسية والعسكرية، لكن آثار التدخل ما زالت حيّة في ذاكرة السوريين: مدن مدمّرة، عائلات مشرّدة، وضحايا ينتظرون العدالة. وبينما تحاول موسكو اليوم إعادة صياغة دورها في الشرق الأوسط، يذكّر تقرير الشبكة بأن الجرائم لا تسقط بالتقادم، وأن ذاكرة الضحايا ستبقى أقوى من أي تسوية سياسية تتجاهل حقوقهم.

فارس الرفاعي - زمان الوصل
(12)    هل أعجبتك المقالة (37)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي