قدم لي قصاصة مكتوبة بخط رديء ، وطلب مني أن أقرأ مقطوعة قال: إنها شعرية ، بدا مطلعها متوهجاً ، ولكنه انطلق فيها بعد ذلك عبر حوارات ، اقترب فيها من أسلوب الخاطرة أو القصة ، ولم يكتمل الحدث المفترض ، فضاع المدلول ، وضيعني معه ، ومع ذلك أخذت أشجعه حيناً مركزاً على توهج مفترض ، وأشير إلى بعض جوانب الخلل في ماكتبه حيناً آخر ، محاولاً ألا أجرحه .
ولكنه قاطعني معلناً أنه تجاوز محمود درويش ونزار قباني ومحمد الماغوط ، وأنه يخطو على طريق رسمها لنفسه بإتقان .
تنفست الصعداء ، وقلت لنفسي :
ــ على رسلك يارجل ..
تابعت القراءة على مضض هذه المرة ، أشرت إلى بعض كلمات استخدمها في مواضع لاتؤدي غرضها فيها ، وقد تسيء للسياق العام .
أجاب بأنه يعرف ذلك ، وقد استخدمها كي يتميز .
تصببت عرقاً ، وتابعت ، فأشرت إلى حالة التداخل بين الأجناس الأدبية ، فقال :
ــ إنها الحداثة ..
وعندما قلت أن القطعة الأدبية التي بين يدي ، لاتنتمي إلى أي جنس أدبي محدد ، صرخ بقوة ، حتى أفزعني :
ــ نعم .. هذا هو المطلوب ياأستاذ ..!!
حاولت أن أتملص ، فدفع إلي بقصاصة جديدة ، وطلب أن أطلع فقط على مقطوعة شعرية مقفاة .
قلت :
ــ هل كتبت موزوناً ..؟ وهل تعرف أوزان وبحور الخليل ...؟
ــ لا .. هي تجربتي الأولى .. ولا أعرف شيئاً عن تفاصيل أوزان الخليل هذه .
ــ لماذا تطلعني إذاً ..؟
ــ اطلع ياأستاذ .. واحكم بعد ذلك ..
اختلست نظرة من المقطوعة ، حاولت أن أقرأ شطراً .. بيتاً ، وقبل أن أتقيأ ، تمكنت من النطق :
ــ هذا سجع رديء ...
غضب ، وامتقع وجهه ، وصاح في وجهي :
ــ لماذا تنعته بالرداءة ياأستاذ ...؟ إن بحور الخليل قيود يجب أن نتخلى عنها الآن ، ألا تتابع معي كيف يرتبون الكلام ليخلصوا إلى إيقاع لامعنى له ...؟
قلت معتذراً :
ــ ربما تكون قد أخطأت الاختيار ، ابحث لك عن قارئ عصري غيري ، أنا لاأجيد القراءة ، وعلي أن أعيد تكوين بعض قناعاتي الأدبية واللغوية وربما الحياتية .
نهضت ، وفي طريق خروجي ، أصر أن يترك لي في جيب سترتي مقطوعات أدبية أخرى ، قال: إنها فتح جديد في الأدب .
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية