أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

جدل حول موضوع فصل الطلاب والطالبات في مدارس حمص

انتشرت عبر بعض وسائل الإعلام وصفحات التواصل الاجتماعي خلال الساعات الماضية أخبار تتحدث عن صدور قرار يقضي بفصل الذكور عن الإناث في الصفوف الأولى من المرحلة الابتدائية بمدينة حمص. الأمر أثار حالة من البلبلة والتساؤلات بين الأهالي والمعنيين بالشأن التربوي، خاصة مع تضارب الأنباء بين ما يُتداول في الميدان وما يصدر عن الجهات الرسمية.

موقف مديرية التربية والتعليم
مديرية التربية والتعليم في حمص سارعت إلى نفي هذه الأخبار بشكل قاطع، مؤكدة أنه لم يصدر عنها أو عن وزارة التربية أي قرار رسمي بهذا الخصوص. كما دعت المواطنين ووسائل الإعلام إلى توخي الدقة في نشر الأخبار المتعلقة بالعملية التعليمية، والاعتماد حصراً على المصادر الرسمية منعًا لانتشار الشائعات وإثارة القلق في المجتمع.

ما يحدث على أرض الواقع
رغم النفي الرسمي، أظهرت شهادات بعض الأهالي والمديرين والمعلمين أن تعليمات "غير مكتوبة" وصلت إلى عدد من المدارس عبر مجموعات واتسآب أو صفحات فيسبوك مرتبطة بمديرية التربية. وقد جرى تطبيق الفصل بين الذكور والإناث فعليًا في مدارس مثل: "عكرم المخزومي"، "علي بن أبي طالب"، "يعرب العبدالله"، "حطين"، "رقية"، و"البحتري"، إضافة إلى مدارس في تير معلة والمشرفة وقطينة.

حتى ثانوية المتفوقين – المعروفة تاريخيًا باختلاط طلابها – شهدت تطبيق هذا الفصل، في حين ظلّت بعض المدارس الأخرى في تلبيسة وبعض المدارس الخاصة في حمص مختلطة كما كانت، ما يبرز غياب القرار الواضح والموحّد.

التراجع عن القرار الغامض
وفي وقت لاحق، أوضحت مديرة إحدى المدارس أن التعليمات التي وردتهم كانت تقضي بفرز الطلاب حسب الترتيب الأبجدي، بحيث يصبح هناك شعب تضم الذكور فقط، وشعب أخرى للإناث، وشعب مختلطة. هذا أعطى انطباعًا بوجود قرار رسمي بالفصل، رغم عدم صدور أي تعميم واضح من الوزارة.

لكن مع تزايد الجدل والضغط المجتمعي، تم تعديل التعليمات، إذ صدر تعميم جديد يتيح للمدارس توزيع الطلاب ذكورًا وإناثًا معًا حسب الترتيب الأبجدي، مع ترك حرية الفصل للمدير والموجّه التربوي إذا اتفقوا على ذلك. وفي بعض القرى مثل المشرفة، تراجعت المدارس عن قرارات مشابهة بعد نشرها بساعات قليلة على صفحاتها الرسمية.

تساؤلات مهمة
وهذه التطورات تفتح الباب أمام تساؤلات مهمة: لماذا تُتخذ مثل هذه القرارات الحساسة بصيغة "تعليمات شفهية" دون تعميم رسمي واضح؟
وما مدى تأثير الضغط المجتمعي والإعلامي في تعديل القرارات أو التراجع عنها؟

وهل يعكس هذا التخبّط غياب رؤية تربوية موحّدة، أم أنه محاولة لجسّ نبض المجتمع قبل فرض توجهات معينة؟

ووفق خبراء تربويين فإن قضية فصل الذكور عن الإناث في المراحل التعليمية المبكرة ليست مجرد مسألة إدارية، بل ترتبط بفلسفة التعليم، وبمدى رغبة النظام التعليمي في تبني قيم الانفتاح والمساواة أو العودة إلى أنماط أكثر تقليدية.

وما ظهر في حمص يبيّن أن المجتمع المحلي أصبح طرفًا مؤثرًا في صناعة القرار، وأن الشفافية ومشاركة الأهالي في القرارات التربوية قد تكون الطريق الأمثل لتفادي الأزمات المستقبلية.

ووفق المصدر ذاته فإن ما حدث في حمص يعكس غياب استراتيجية تربوية واضحة المعالم. فالتعليم لا يجب أن يكون ساحة لتجارب مرتجلة أو استجابة آنية للضغوط الاجتماعية، بل رؤية بعيدة المدى تُبنى على دراسات علمية ونقاشات مجتمعية واسعة.

إن هذا التخبط يكشف أن السياسة التعليمية تُدار أحيانًا كأداة سياسية أكثر من كونها مشروعًا لبناء الإنسان. وفي مجتمع يطمح للانتقال إلى مرحلة جديدة من الديمقراطية والانفتاح، فإن الشفافية وإشراك الأهالي والخبراء في صياغة القرارات التربوية أمر لا غنى عنه.

زمان الوصل
(10)    هل أعجبتك المقالة (33)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي