أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

إدارة القطاع العام وسياسات التعيينات والإدارة والوظائف في زمن "النظام البائد" (2)

تناولنا في الجزء الأول دخول حكومة الإنقاذ إلى مناطق النظام السابق، وإدارتها للمنظمات والمؤسسات الحكومية. سجلت إنجازات لا تُنكر، لكنها رافقها إخفاقات وتحديات كبيرة. مهمتنا كصحافيين ليست الاكتفاء برصد الإيجابيات، بل تشخيص مواطن الخلل واستغلال النفوذ، سعياً لتصحيح المسار.

أولاً – التعيينات على مستوى الصف الأول
هذه التعيينات جاءت سياسية بالدرجة الأولى، ويمكن تقسيمها إلى ثلاثة قطاعات رئيسية:
- القطاع الأمني والعسكري: التعيينات جسدت مقولة "من يحرر يقرر". الوزارات الأمنية والعسكرية، مثل الدفاع والداخلية والاستخبارات، أُسندت إلى قادة من خلفيات ثورية بحتة. توحيد الفصائل تحت مظلة وزارة الدفاع شكّل محطة فارقة، بغض النظر عن التقييم الإيجابي أو السلبي لهذه الآلية.
- القطاع السياسي والمدني: شمل المحافظين ومديري المناطق والنواحي. معظم التعيينات جاءت من القادة العسكريين المرتبطين بغرف العمليات، مثل تعيين عامر الشيخ محافظاً لريف دمشق، وأنور الزعبي محافظاً لدرعا. هذا عكس استمرار هيمنة العسكري على المدني في مرحلة انتقالية سمتها "التقاسم" بانتظار الاستقرار.
- القطاع الإداري الحكومي: ظهرت فيه وجوه تكنوقراط مثل نضال الشعار وهند قبوات، ما أعطى انطباعاً أولياً عن توجه نحو الكفاءة. لكن ذلك لم يمنع تدخل الولاءات السياسية في بعض المواقع الحساسة. يمكن وصف الحكومة بأنها "تكنوقراط جزئية".

ثانياً – التعيينات على مستوى الصف الثاني
هذا المستوى وقع تحت هيمنة الصف الأول، فدخلت كوادر حكومة الإنقاذ جميع مفاصل المؤسسات. برزت هنا الإشكاليات الكبرى:
- غياب المعايير الموضوعية.
- تغييب القوانين النافذة لصالح الولاءات والمحسوبيات.
- تبرير التعيينات بمقولة "مقتضيات المرحلة"، أو تقسيمات جغرافية ظالمة بين "مناطق المعارضة" و"مناطق النظام".
تحولت المؤسسات أحياناً إلى غنائم تُوزع على المحسوبين، من بيوت وسيارات ومكاتب.

إدارة التغيير أم قيادة التغيير؟
- إدارة التغيير والإصلاح: المسار المطلوب، القائم على اختيار الكفاءات، تقييم المهمشين من خبراء ومهندسين واقتصاديين، والاستفادة من خبراتهم. كثير من الموظفين السابقين يمتلكون خبرة تفوق بكثير كوادر الإنقاذ، لكن تم إقصاؤهم.
- قيادة الإصلاح والتغيير: المسار الذي حدث فعلياً. استغل بعض قادة الإنقاذ المؤسسات للاغتناء والاستئثار بالمزايا. نشأت طبقة جديدة من "المحررين"، وضعت نفسها في مرتبة أولى، وتعاملت مع موظفي النظام السابق كمرتبة ثالثة.

أمثلة ذلك مؤسفة: تعيين مدير بمعهد متوسط على مؤسسة تضم خبراء بشهادات عليا. وعند الاعتراض، يكون الرد اتهامك بالفلولية أو عرقلة الإصلاح.

الخلاصة
التعيينات الحالية لم تكن في معظمها لخدمة الصالح العام، بل لتقاسم الغنائم. المطلوب اليوم هو إدارة تغيير حقيقية، خاضعة لقوانين واضحة وشفافة، قائمة على مبدأ الكفاءة والجدارة. فقط حينها يمكن لسوريا أن تبني مؤسسات دولة قادرة على النهوض.

في الجزء الثالث من السلسلة، سنعرض تصوراً عملياً للإصلاح والإدارة.
يتبع...



زمان الوصل
(47)    هل أعجبتك المقالة (257)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي