
زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى الولايات المتحدة لم تكن عابرة أو مجرد تلاوين حدث بروتوكولي، بل هي محطة تحمل في طياتها دلالات عميقة لسوريا وللمنطقة بأسرها. فهي المرة الأولى منذ عقود طويلة التي يحضر فيها رئيس سوري إلى الأمم المتحدة بهذه الصفة، ليعيد لسوريا مقعدها على الطاولة الدولية.
وحتى إن لم يلقِ كلمته بعد، فإن مجرد وجوده هناك، مع استقبال رسمي وشعبي سوري، فتح بابًا جديدًا وأرسل رسالة واضحة بأن سوريا لم تعد معزولة، وأن العالم مستعد للتعامل معها من جديد.
هذه العودة تحمل تبعات داخلية بقدر ما تحمل من انعكاسات خارجية. فالقوى الفاعلة على الأرض، من الهجري ومن معه من المغيبين عن المنطق، إلى "قسد" في الشمال الشرقي، لم يعد بوسعهم النظر إلى المشهد بعيون الأمس. العقل يفرض اليوم إعادة الجميع حساباته، لأن الدولة استعادت حضورها الدولي، ولا أحد من السواد الأعظم للسوريين سيقبل أن تعود عقارب الساعة إلى الوراء. فأي تعنت أو مكابرة لن يؤدي إلا إلى عزلة إضافية وخسارة مضاعفة.
المرحلة المقبلة قد تكون بداية لمسار جديد: رفع تدريجي للعقوبات، فرص لإعادة الإعمار، تحسين في قطاعات الصحة والتعليم، وانفتاح دبلوماسي يفتح الأفق أمام السوريين. لكن هذه المكاسب لن تتحقق إذا ظلت بعض الأطراف تراهن على الانقسام أو الاستنزاف.
المطلوب اليوم هو التحلي بمنطق العقل والواقعية، والانخراط في مشروع الدولة بدل معارضته، وطرح حلول وسطية بعيدًا عن شروط اللامعقول التي لا تخرج من فم عاقل متزن، لأن البديل هو خسارة الموقع والدور معًا، ومقامرة غير محسوبة النتائج ستطال المتابعين للمشاريع، وسيكون ضحيتها الأولى هم البسطاء الذين تتعاطى بهم القادة من المتاجرة بهمومهم ودمائهم.
ولعل القارئ الفطن يعرف أن الزيارة إنذار مبكر للجميع بأن سوريا تدخل طورًا جديدًا، وأن من لا يتكيّف مع هذا التحول سيجد نفسه خارج المعادلة، فالسياسة فن الممكن الذي يبدو أن البعض لا يجيده.
العقلانية هي الشرط، والتاريخ لا يرحم المتأخرين عن مواعيده.
محمد رافع أبوحوى - زمان الوصل

تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية