أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

عرض الأصفري لاستثمار الغاز في سوريا قراءة لأبرز المخاوف والانتقادات

- "اتفاقية الحصرية" خلال التفاوض إجراء شائع، خاصة في الاستثمارات الضخمة.
- خلال فترة البحث الميداني والتفاوض، لا يعتبر من الإنصاف أن تنفق "نوفاتيرا" ملايين الدولارات، دون أي التزام من الحكومة السورية.
- شركات التأمين الغربية ما تزال غير مستعدة لتقديم خدمات التأمين على أعمال استكشاف وتطوير الموارد الباطنية في سوريا.
- الأرقام تدفعنا إلى نتيجة أن عرض الأصفري، أحد أفضل السيناريوهات المطروحة لسوريا، في الوقت الراهن.
- أن يصبح رجل أعمال سوري، محروماً من الاستثمار في بلده، لأنه انتقد الحكومة، فهذا يعني انتكاساً إلى عهد نظام الأسد.
- سوريا بحاجة لتلقف أي بادرة جدّية من جانب برجوازيتها المهاجرة، بدلاً من تبخيسها والانتقاص من وطنيتها.

هو سابقة إيجابية، ذاك النقاش الذي أثارته "زمان الوصل" حول عرض رجل الأعمال السوري، أيمن الأصفري، لاستثمار حقول الغاز السورية على مدى 25 عاماً. سابقة يجب التأصيل لها، في أن يكون للسوريين حق معرفة ما يدور وراء الكواليس، حول كيفية استثمار ثرواتهم الباطنية، ومدى خضوع ذاك الاستثمار لمبدأ المصلحة العامة، خلافاً لما كان سائداً في حقبة "الأسدين" البائدة. وفي سياق هذا النقاش، قد نختلف مع بعض النقاط التي خلصت إليها مادة "زمان الوصل" الأولى، بهذا الصدد، ومادة الزميل فؤاد عبد العزيز، اللاحقة لها. 

"فترة الحصرية"
أولى النقاط، هو مطالبة شركة "نوفاتيرا"، لرئيسها التنفيذي أيمن الأصفري، بفترة "حصرية" مدتها 120 يوماً للتفاوض. وهو ما رأت فيه "زمان الوصل" إغلاقاً للشفافية والمنافسة الحرة. ويمكن تفهّم مكمن الريبة في هذا المبدأ- "فترة الحصرية"-، إلا أنه إجراء شائع، خاصة في الاستثمارات الضخمة. وتنص "اتفاقية الحصرية" خلال مدة التفاوض، عادةً، على عدم مناقشة نفس المشروع مع أطراف ثالثة خلال فترة زمنية محددة. ويكون الهدف منها، منح المستثمر فرصة لتقييم المشروع بدقة، دون القلق من منافسين آخرين، بصورة تتيح له إجراء ما يُعرف بـ "الفحص النافي للجهالة".

وترى الكثير من مناهج إدارة الأعمال، أن "اتفاقية الحصرية" خلال التفاوض، مهمة، كونها تسمح بالتركيز على إتمام الصفقة دون تشتيت الجهود بين عدة مفاوضات متوازية، كما أنها تعزز الثقة بين الأطراف المتفاوضة، وتظهر جدية الالتزام بإتمام الصفقة.

ولفهم المشهد بصورة أقرب للواقع، فإنه حال توقيع "اتفاقية الحصرية"، ستقوم شركة "نوفاتيرا" لأيمن الأصفري، بإرسال عشرات الخبراء لتقييم واقع حقول الغاز السورية على الأرض، وإجراء الدراسات التقنية اللازمة للتأكد من دقة المعطيات التي بنوا على أساسها، عرضهم الأولي. وهو عمل يكلّف ملايين الدولارات، وبموجبه، تتفاوض "نوفاتيرا" مع الحكومة السورية على بنود الاتفاق النهائي. وفي حال عدم الاتفاق، يمكن للحكومة السورية البحث في اتفاق آخر مع شركة أخرى. خلال فترة البحث الميداني والتفاوض تلك، لا يعتبر من الإنصاف أن تنفق "نوفاتيرا" هذه التكاليف المالية، دون أي التزام من جانب الحكومة السورية. مع الإشارة إلى أن الأخيرة لديها اتفاقيات سابقة يمكن الاستناد إليها لتقييم العرض المبدئي، إن كان منافساً تجارياً، أم لا.

الاستحواذ على حصص شركات أجنبية
ومن القضايا التي تم الوقوف عندها، بوصفها مثيرة للجدل، هو أن عرض "نوفاتيرا" تضمن مسعى للاستحواذ على حصص شركات أجنبية في حقول للغاز، كانت قد خرجت منها، بالقوة القاهرة، جراء أحداث الـ 15 سنة الأخيرة. وهو ما قرأته "زمان الوصل" على أنه مشروع احتكار شبه كامل لقطاع الغاز السوري. لكن النقاش بهذا الصدد، لم يتطرق لمواقف هذه الشركات الأجنبية ذاتها، والتي أشار عرض شركة "نوفاتيرا" إلى أنها، في معظمها على الأقل، غير راغبة في العودة لأنشطة الاستكشاف والإنتاج في سوريا، على المدى القريب. وذلك متوقع، نظراً لكون شركات التأمين الغربية ما تزال غير مستعدة لتقديم خدمات التأمين على أعمال استكشاف وتطوير الموارد الباطنية في سوريا، جراء هشاشة الوضع الأمني والسياسي في البلاد، وقضية الامتثال الزائد للعقوبات الغربية، والتي رغم رفع معظمها عن سوريا، إلا أن بعضها ما يزال سارياً جزئياً –قانون قيصر-، وما تزال كثير من الشركات الغربية، في حالة ترقب، قد تمتد ربما سنة أو حتى بضع سنوات، إلى حين الوصول إلى حالة يقين حيال استقرار المشهد في سوريا، كي لا تتعرض مجدداً لانتكاسة في استثماراتها في هذا البلد، كما حدث معها، بعيد العام 2011.

وهذه قضية يجب الوقوف عندها مطولاً. فمخاطرة الاستثمار في إعادة تأهيل حقول الغاز بسوريا، مرتفعة، نظراً للتهديد الأمني الذي ما يزال ماثلاً لتنظيم "الدولة الإسلامية – داعش"، على تخوم المناطق الملاصقة للبادية السورية، والتي تقع معظم حقول الغاز المعنية، قريباً منها. ناهيك عن عدم اليقين حيال استقرار المشهد الأمني والسياسي العام في سوريا، في المدى القريب والمتوسط. مما يجعل دخول شركة "نوفاتيرا"، لرجل الأعمال، الأصفري، مخاطرة استثمار، تستحق التقدير. وهي دون شك، تسعى للربح، عبر درجة أعلى من المخاطرة، مقارنة بتلك التي تقبل بها شركات نفط وغاز غربية. 

احتكار الغاز لجهة محددة
إحدى أبرز المخاوف التي طرحها عرض شركة الأصفري، هو خلق أساس لحالة احتكار شبه كامل لقطاع الغاز السوري. وكي نكون دقيقين، فلم يخفِ عرض الأصفري، هذا الجانب. فهو يستخدم توصيف "فترة الاحتكار الخاصة بنا"، في الإشارة إلى استثماره المزمع لجميع حقول الغاز "المرتبطة وغير المرتبطة في سوريا". وأمام هذا الطرح، نجد طرحاً مضاداً يتحدث عن ضرورة فتح المجال لمزايدات تنافسية، تتيح المجال للاعبين آخرين، بدلاً من منح "فترة احتكار" لشركة واحدة. فأي الخيارين هو الأنسب في الحالة السورية، اليوم؟

بطبيعة الحال، فإن المنافسة هي المُفضَّلة على المدى الطويل، دوماً. لكن، إن كانت هناك حاجة ماسة للاستقرار وإيجاد مصادر دخل، وتحريك عجلة الاستثمار بسرعة عاجلة، في ظروف تفتقر فيها الدولة للبنية التحتية والخبرة اللازمة، يصبح منح الاحتكار، مناسباً. فهو يوفر سرعة الاستثمار في مشاريع ضخمة، مما يوفر موارد مالية سريعة، نعلم جيداً أن سوريا بأمس الحاجة لها، اليوم. كما أنه، في ظروف البيئة غير المستقرة، عادةً ما تطلب الشركات المستثمرة في مشاريع مُكلِفة، حق "الاحتكار"، كمكافأة لها، على المخاطرة. 

تقييم عرض الأصفري بموجب الأرقام
ولتوضيح ما سبق بالأرقام، فإن سوريا بحاجة عاجلة لتوفير الغاز بغية سد العجز الهائل في الطاقة الكهربائية، والذي سيزداد كلما ارتفعت وتيرة إعادة الإعمار في البلاد. وسوريا اليوم تنتج نحو 7-8 مليون م3 من الغاز، تساهم في توليد أقل من 2000 ميغاواط من الكهرباء، يومياً. ولسد جانب محدود من العجز الكهربائي، استوردت سوريا 3 مليون م3 من الغاز، من أذربيجان، بأسعار مرتفعة، لكن بتمويل مؤقت من قطر. مع الإشارة إلى أن هذه الزيادة المؤقتة في تدفق الغاز، لن تحقق الفارق المأمول في التغطية الكهربائية. وحالما تنتهي الشركة القطرية UCC من بناء محطات الطاقة الجديدة، العاملة بنظام توربينات الغاز بالدورة المشتركة، ستصبح سوريا بحاجة ملحة إلى نحو 15 مليون م3 من الغاز، لتوليد 4000 ميغاواط من الكهرباء، لتحريك العجلة الاقتصادية والمعيشية في البلاد، بالصورة المأمولة. وهنا نشير إلى تقديرات أن الغاز المنتج محلياً يوفّر 80% فرق مقارنة بالغاز المستورد – الغاز المحلي أرخص ب 80% من المستورد-، مما يجعل سوريا بأمس الحاجة لإيجاد مصادر محلية مستعجلة من الغاز، كانت متوفرة لديها سابقاً، قبل العام 2011. لكن حقولها للغاز تعرضت لأضرار جسيمة خلال أحداث الـ 15 سنة الفائتة، كما هو معلوم. وهي تحتاج لإعادة تأهيل.

وفي ضوء الأرقام والتفاصيل آنفة الذكر، تُجمَع العناصر التالية معاً: خبرة أيمن الأصفري والكوادر التي يستطيع جمعها، في إعادة تأهيل حقول الغاز السورية، بناء على عمله فيها منذ العام 1986، مع استعداد شركته للإقدام على مخاطرة أكبر، مقارنة بشركات غاز دولية، في ظل حالة عدم اليقين السياسي والأمني في سوريا.. لنخرج بنتيجة أن عرضه، أحد أفضل السيناريوهات المطروحة لمصالح البلاد، في الوقت الراهن.

ما سبق، لا يلغي الحاجة لتقليم "أظافر" حصرية "الاحتكار"، عبر التفاوض المرتقب بين وزارة الطاقة وشركة "نوفاتيرا". من ذلك، مثلاً، وضع قيود على أسعار مبيع الغاز المُنتَج، وضوابط "استرداد التكاليف". إلا أن "الاحتكار"، يبقى خياراً مناسباً في ظل ظروف قاسية جداً، ووسط الحاجة لتدخل عاجل لإعادة تأهيل البنى التحتية لإنتاج وتطوير الموارد الطبيعية. وهو الواقع القائم اليوم في سوريا، بصورة جليّة. 

الخلفيات السياسية
من بين النقاط التي تم نقاشها، الإشارة إلى أن الأصفري يرتبط بشبكات النفط العالمية وشركات الخدمات الغربية. وهي إشارة غير موفقة في تقديرنا. إذ أن أي شركة أجنبية أو عربية، نأمل أن تستثمر لدينا، سيكون لها ارتباطات خارجية ما. كما أن معظم رجال الأعمال السوريين من ذوي الوزن الثقيل، يحملون جنسيات عربية أو أجنبية، ولهم ارتباطاتهم أيضاً. فحصر هذه الصفة بحالة الأصفري، غير موفقة.

كما أن الإشارة إلى شبهة "ابتزاز" في عرض الأصفري للحكومة الانتقالية في دمشق، نظراً لمواقفه السياسية المنتقدة لأداء السلطة، قبل بضعة أشهر، لم يكن موفقاً، أيضاً، في تقديرنا. فالنقاش هنا يجب أن ينحصر بالجوانب الإجرائية والتفصيلية للعروض الاستثمارية، لا بالخلفية السياسية للرجل. فأن يصبح رجل أعمال سوري، محروماً من الاستثمار في بلده، لأنه انتقد الحكومة، فهذا يعني انتكاساً إلى عهد نظام الأسد. والتشكيك في وطنية أي شخصية سورية، بناء على موقفها من الحكومة، يمثّل أيضاً انتكاساً لذات عقلية النظام البائد. مع الإشارة إلى أن موقف الأصفري من الحكومة في دمشق، انحصر في إطار الانتقادات المعلنة، ولم يذهب باتجاه تشكيل معارضة مُنظّمة. فهو يتعاون ويتعامل مع الحكومة.

في تلقف مبادرات البرجوازية السورية المهاجرة
في نهاية المطاف، نعتقد أن عرض الأصفري لإعادة إحياء قطاع الغاز السوري، فرصة تستحق إخضاعها للنقاش، من زاوية واقعية إجرائية، ومن زاوية مصلحية اقتصادية، مع تحييد السياسة جانباً. فالاستثمارات التي وُعدنا بها، لم تأتِ بعد. وما أتى منها، بموجب مذكرات تفاهم، ما يزال في إطار النوايا. ولم نر "بصيص نور" هذه الاستثمارات الخارجية، في معظمها، حتى الساعة. لذا، فسوريا بحاجة لتلقف أي بادرة جدّية من جانب برجوازيتها المهاجرة، بدلاً من تبخيسها والانتقاص من وطنيتها. فتلك البرجوازية هي التي أسست قبل نحو 80 عاماً، سوريا التي نعرفها اليوم، بمزيج من الجرأة الاستثمارية، والحس الوطني السياسي الرفيع.

إياد الجعفري مدير تحرير موقع ا"قتصاد" - باحث في الشأن الاقتصادي السوري
(8)    هل أعجبتك المقالة (6)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي