أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

قراءة أولية في عرض "أيمن الأصفري" لاستثمار الغاز السوري

الأصفري

تُظهر القراءة العامة للعرض الذي تقدم به رجل الأعمال أيمن الأصفري لاستثمار حقول الغاز السوري، وفقًا للوثائق التي حصلت عليها "حكومة الظل السورية - زمان الوصل"، أن العرض لا يخلو من صيغة ابتزاز، مرتبطة من جهة بالوضع السياسي والأمني الداخلي الهش للبلد، ومن جهة ثانية بتأكيده أن الشركات الدولية لن تعود في ظل هذا الوضع، وبالتالي فإن ما يقدمه من عرض هو "أحسن ما يمكن أن تحصل عليه الحكومة السورية" في هذه الظروف.

أما في التفاصيل، وبحسب الوثائق، فإن الأصفري يعرض استثمار الغاز السوري لمدة 25 عامًا، على أن يضخ استثمارات بقيمة 5 مليارات دولار خلال هذه الفترة، منها مليار ونصف المليار دولار في غضون ثلاث سنوات، بهدف الوصول إلى إنتاج 15 مليون متر مكعب من الغاز يوميًا.

واختيار مدة 25 عامًا من قبل رجل يعرف كل تفاصيل حقول النفط والغاز السورية، ليس عبثيًا. فهو يذكر في أوراق العرض أنه يعمل في قطاع الطاقة السوري منذ عام 1986، وبالتالي فهو مطّلع على أن احتياطيات سوريا من الغاز تُقدَّر بـ2.5 مليار متر مكعب، وتكفي لـ25 عامًا فقط في حال عدم حصول اكتشافات جديدة. أي بصيغة أدق: يعرض استثمار الغاز السوري حتى آخر قطرة فيه.

أما النقطة الأهم، والتي قد لا يعرفها المواطن السوري العادي، فهي أن أغلب حقول الغاز الرئيسية تقع اليوم تحت سيطرة الحكومة السورية، باستثناء بعض الحقول في دير الزور والحسكة، وهي في العموم ليست ذات جدوى اقتصادية كبيرة، وخصوصًا حقول غاز الحسكة. ناهيك عن أن عرض الأصفري يقتصر في معظمه على استثمار الحقول التي تسيطر عليها الدولة في المنطقة الوسطى، مع الأخذ بالحسبان بعض الحقول في دير الزور التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، مثل حقل العمر النفطي، المتوقع أن يعود لسيطرة الحكومة السورية في الأشهر المقبلة، ولا سيما أن "قسد" لا تستثمر هذا الحقل في الفترة الراهنة.

ومن الملاحظات المهمة التي يجب النظر إليها، أن إنتاج سوريا من الغاز خلال العام الماضي، وبحسب التصريحات الرسمية، تراوح بين 11 و12 مليون متر مكعب يوميًا، يذهب منها 9 ملايين متر مكعب لمحطات توليد الكهرباء، و600 ألف متر مكعب لمعمل الأسمدة الذي كانت تسيطر عليه روسيا، و1.5 مليون متر مكعب يوزع على الاستهلاك المنزلي والصناعي والتجاري. وهذا يعني أن عرض الأصفري يهدف فقط إلى زيادة الإنتاج في غضون 3 سنوات بمقدار 3 إلى 4 ملايين متر مكعب يوميًا.

ويُذكر أن إنتاج سوريا من الغاز قبل عام 2010 كان يصل إلى 23 مليون متر مكعب يوميًا، ومع ذلك لم تكن الكمية تكفي حاجة السوق المحلية، حيث كان يتم استيراد نحو 6 ملايين متر مكعب يوميًا من مصر عبر خط الغاز العربي، لتلبية احتياجات محطات التوليد التي كانت تتجاوز 20 مليون متر مكعب يوميًا.

القارئ لتفاصيل العرض، وفقًا للوثائق، سيلفت انتباهه ما يمكن تسميته "الفهلوة" التي يتميز بها التاجر السوري وهو يسوّق لبضاعته؛ إذ يقدم كما كبيرًا من المعلومات عن السلعة التي يعرضها، محاولًا تمييزها عن باقي السلع في السوق، بهدف محاصرة المشتري وإقناعه بالكامل. وهذا بالضبط ما يظهر في عرض الأصفري؛ فهو يتحدث عن معرفة واسعة بجغرافية النفط والغاز السوري، وعن علاقات مع خبرات وشركات دولية يمكنه إقناعها للعمل في سوريا، ثم يشير إلى تجهيزات كبيرة سيزوّد بها الحقول والمعامل، بتكلفة عشرات ملايين الدولارات. وهذا ما يجعل عرضه مغريًا من الناحية النظرية، ولا سيما أن البلد تعاني من نقص حاد في إمدادات الطاقة، وهي مقبلة على مشاريع كبرى في بناء محطات توليد جديدة. وبالتالي يبدو عرض الأصفري وكأنه "طوق نجاة" للحكومة.

في العموم، لا ندّعي القدرة على قراءة كل التفاصيل الفنية الواردة في العرض، فهي بحاجة إلى خبراء مختصين، ومن المرجح أن وزارة الطاقة ستلجأ إليهم. لكن ما نخشاه هو أن يكون قبول الحكومة بعرض الأصفري كاملًا، ليس بدافع المصلحة الاقتصادية للبلد، وإنما نتيجة خضوع لابتزاز سياسي، أو لحسابات أمنية وسياسية داخلية وخارجية.

نقولها صراحة: نخشى أن يكون هناك في السلطة من يفكر بمقايضة الحصة السياسية بالامتيازات الاقتصادية. وفهمكم كفاية..!

فؤاد عبد العزيز - زمان الوصل
(5)    هل أعجبتك المقالة (8)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي