أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

السويداء بين جراح التهجير وامتحان العيش المشترك

لم تكن السويداء، هذه المدينة العريقة التي عُرفت عبر تاريخها بالكرامة والعيش المشترك، تتوقع أن تتحول يومًا إلى مسرح لممارسات تُهدّد نسيجها الاجتماعي. غير أن ما شهدته خلال الفترة الأخيرة يكشف عن أزمة عميقة زرعتها عصابات خارجة عن القانون، مستندة إلى عقلية الخوف والحقد، لتترك آثارًا مأساوية على سكانها.

تهجير قسري وسلب للحقوق
بحسب شهادات محلية، لم يعد في مدينة السويداء من الأسر السنية إلا القليل، بعد أن طالتهم يد التهديد والتهجير. بعض العائلات بقيت بصعوبة، بعد اتصالات مباشرة لضمان حمايتهم. إلا أن كثيرين غيرهم لم يحالفهم الحظ، فوجدوا أنفسهم أمام خيار الرحيل أو مواجهة الخطر.

عائلات عاشت في المدينة منذ أكثر من نصف قرن، مثل آل أبو وليد الذين ارتبط اسمهم بسوق معروف ومحلات تجارية بارزة، أُجبرت على الخروج. كذلك طالت التهديدات أسر آل اللحام، الذين يمتد وجودهم في السويداء إلى أكثر من مئة عام، إضافة إلى عائلات أخرى معروفة في المدينة ولها أثرها في الحياة العامة والسلم الأهلي، لتُسرق منازلهم ومحلاتهم وتُسلب ممتلكاتهم في مشهد صادم يختزل معاناة التهجير القسري. 

لا ذنب إلا الهوية
المفارقة المؤلمة أن هذه الأسر لم يكن لها أي علاقة بصراعات السويداء، لا مع الدروز ولا مع العشائر. هي عائلات مدنية تعمل في التجارة والحِرف والمهن الحرة، ساهمت في تنشيط الحياة الاقتصادية والتجارية للمحافظة، وكانت لها سمعة طيبة ومكانة اجتماعية محترمة. ومع ذلك، كان "ذنبها الوحيد" أنها تنتمي إلى الطائفة السنية، وكأن التاريخ الطويل من العيش المشترك لم يشفع لها أمام نفوس مريضة غلبت العصبية على الضمير. 

مقاومة محلية للأصوات الشاذة
ورغم هذه الممارسات، لا بد من الإشارة إلى أن بعض العائلات في السويداء وقفت في وجه هذه العصابات، ورفضت السماح لها بتنفيذ مشروعها القائم على التفرقة. هذا الموقف، على تواضعه، يشير إلى أن النسيج الاجتماعي لم يمت بعد، وأن في المحافظة من لا يزال يؤمن بأن السويداء للجميع، وأن حماية التنوع مسؤولية أخلاقية قبل أن تكون واجبًا اجتماعيًا. 

امتحان الضمير
الأخطر أن بين هذه العصابات أفرادًا يُحسبون على أنهم متعلمون وحماة للحق. وهنا تبرز المفارقة المريرة: كيف لإنسان حظي بنعمة العلم أن ينقلب على قيمه وعلى أصدقائه لأنهم من السنة ليشارك في زرع الفتنة وإشعال الفوضى؟!

ما يجري في السويداء ليس مجرد أحداث عابرة، بل امتحان حقيقي لضميرها الجمعي، وجرس إنذار بأن صمت المجتمع يفتح المجال للعصابات كي تعبث بمصير الناس. 

السويداء أمام مفترق طرق: فإما أن تنتصر لتاريخها ولقيم العيش المشترك التي صنعت هويتها، وإما أن تترك العصابات تسلبها روحها. إن حماية الأسر المهددة، وإعادة ممتلكات المهجّرين، ومحاسبة المتورطين، ليست فقط واجبًا قانونيًا، بل هي فرض أخلاقي على كل من يحرص على أن تبقى السويداء منارة للتآخي لا ساحة للتمزيق. 

السويداء للجميع… والعيش المشترك ليس شعارًا يُرفع عند الحاجة، بل هو هوية لا يجوز التفريط بها.

كنان ابن الجبل - زمان الوصل
(11)    هل أعجبتك المقالة (10)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي