أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

"أزمة التعيينات في سوريا" في سوريا العجيبة

غنوم والصالح

لم يعد بعض التعيينات الحكومية مجرد قرارات إدارية، بل صارت مسلسلات مكسيكية بلا نهاية؛ حلقات مليئة بالمفاجآت، والمؤامرات، والانقلابات، وبطبيعة الحال، كل حلقة تنتهي بجملة "يُتبع".

لقد صارت تشبه طقوس الأعراس تمامًا؛ فعندما يتزوج الرجل بامرأة ثانية، يصرخ أهل الأولى: "خائن!"، ويهتف أهل الثانية: "مبروك!". أما الرجل المسكين، فيقف محتارًا بين صحن الملوخية وصحن الكبة النيئة. آخر "الأطباق" التي وُضعت على المائدة الوطنية من قبل وزير المطبخ الثقافي، كان تعيين غطفان غنوم عميدًا للمعهد العالي للفنون المسرحية.

المصيبة ليست في غطفان، فقد أدى دورًا جبُن عنه الكثير، بل كان بعض من ينتقد تعيينه يمسح نعال بشار الهارب. بل المشكلة يا سادة أننا أصلًا نعيش أزمة سياسية وجودية خانقة، فإذا بنا نحصل فوقها على معارك إضافية لا تشبع ولا تسمن من جوع. نحن فعليًا ندور حول طواحين هواء، بلا توقف، وكأن السوري لم يعد لديه من هموم سوى التفكير في المعهد العالي للمسرح، خاصة أن هناك جوقة من منتفعي الأسد سابقًا تنتظر أي موضوع كهذا لتجد مادة قادرة على تحويلها إلى قضية رأي عام وحرف البوصلة ما أمكن.

وبمقارنة بسيطة لتعيين آخر، رأينا كيف تم تنصيب "غياث ورقوزق" مثلًا معاونًا لوزير التعليم العالي، رغم اللغط الذي واكب التعيين من أنه كان يمتلك علاقة مع الهارب بشار، بل كان يعلق في مكتبه صورته معه في قصره، بالإضافة إلى أن زوجته كانت موظفة لدى أسماء الأسد ووالدها قُتل على يد الثوار وهو العميد في قوات المجرم الفار.

ثم نأتي إلى معهد الفنون المسرحية، ونقرر أن نضع فيه كل ثوريتنا وكأنه مثلث برمودا وخط نهاية العالم، وننصّب شخصًا محترمًا بلا شك وثوريًا، لكنه قد لا يملك المؤهل الأكاديمي الكافي لإدارة هذه المؤسسة، ونفسح المجال لتجار المواقف واللاهثين خلف الفتنة. النتيجة: ارتجال صبياني يضيف حريقًا صغيرًا فوق حرائقنا الكبيرة، ويفتح الباب أمام المتربصين الذين ينتظرون هكذا أمور لإشعال فتيل حقدهم.

أما الوزير المعروف بأطباقه الشهيرة: مرة "طبق كرامة"، ومرة "طبق شعر"، ومرة "طبق الأوزي" الذي تناوله عند المرسومي. يبدو أن سيادته اكتشف أن الأوزي لا يفسد بالتقادم، بل يكفي أن تسخنه قليلًا وتضعه في صحن جديد ليبدو "طبق إصلاح موقف". والمسكين دائمًا هو الشعب: المجبر على أن يأكل من هذا الطبق ولو برد، ولو كان مالحًا، ولو كان محروقًا.

بالحقيقة، نحن من ندفع الفاتورة، رغم أننا لا نملك الوقت ولا الرغبة في خوض هذه المعارك الوهمية والجانبية التي يصر البعض على زجّنا بها، وحريٌّ بوزيرنا الموقر أن يبعدنا عنها.

كرسي عميد معهد لا يغير المعادلة السياسية الكبرى، لكنه يفتح بابًا جديدًا للانقسام. فريق يصفّق، وفريق يشتم، وفي النهاية يبقى السؤال معلقًا: هل تحسنت أحوال الطلاب؟ هل المعهد أفضل اليوم مما كان بالأمس؟ طبعًا لا أحد يهتم أو يبحث عن ذلك، ولكن وصل البعض لهدفهم بإحداث بعثرة لأوراقنا المتناثرة سلفًا من خلال ارتجالية غير مدروسة.

كل ما تغير أننا استهلكنا أسبوعًا جديدًا في معركة على كرسي بلا ظهر. صحيح أننا لن نقبل بتعيين شبيحة كشعب مكلوم، ولكن كان بالإمكان اختيار شخصية توافقية تحمي الوزير نفسه من مأزق التراجع أو مأزق الإصرار على الاستمرار، وتحمينا من جدالات عبثية أصبحت فوق طاقتنا ونحن نرى أن مدننا وخاصة في الجنوب تحت خطر داهم لا يستشعره على ما يبدو البعض.

يا سادة، سوريا ليست بحاجة إلى معارك رمزية. نحن في قلب معركة وجودية على بقاء وطن. فانتقوا الأشخاص وأرجعوا تعيينهم إلى ميزان المنطق وتداخلات الواقع، وابقوا أعينكم على تحفّز المتربصين، فلا تفتحوا لهم بابًا ولا توصدوا لنا حجة في الدفاع عنكم. وتخيروا بروية وحكمة بعيدًا عن مصطلح "زكاه فلان" و "اقترحه علان"، واجمعوا ما بين الكفاءة والروح الثورية ما أمكن، فلا يستقيم نظر بلا عينين، كلتا العينين، وإلا فلن نصنع سوى مسرحية جديدة بطلها جرحنا النازف، وجمهورها شعب يضحك مرة، ويبكي ألف مرة.

محمد رافع أبوحوى - زمان الوصل
(5)    هل أعجبتك المقالة (188)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي