أثارت تصريحات الأنبا بيشوى رجل الثاني في الكنيسة القبطية ،والتي تحدث فيها عن أن الأقباط هم أصل البلد، و أن العرب المسلمين هم "ضيوف" حلّوا على الأقباط وبلدهم ,مشاعر الغالبية العظمى من العرب والمسلمين في كل مكان فسارع البابا شنودة بالاعتذار عبر التلفزيون المصري قائلا : "نحن (الأقباط) الضيوف" في مصر و"المسلمون هم الأغلبية" ؟؟؟
من ناحيتها التنظيمات القبطية في الخارج ساقت البراهين والدلائل على أصل مصر و الظلم الذي يعانيه الأقباط في بلدهم المحتل من قبل المسلمين .
لا شك أن عمليه( الردة الحديثة ) أو التنصل من عمليات الفتح الإسلامي ووصفها بالاحتلال لم يأتي مصادفة فبعض الامازيغ ينظر الى الأمر على أنه احتلال لبلادهم وهذا الأمر ينطبق على الفينيقيون في لبنان , كذلك بعض أصحاب الطوائف الدينية في شمال العراق ووصل الأمر الى أن احد الكتبة الأردنيون وصف عبر مقالاته على موقع ( حوار متمدن ) تلك الفتوحات بالاحتلال التي قضت على الديانة واللغة السريانية التي كانت سائدة في حوران قبل الإسلام داعيا الى عودتها . فهل كانت الفتوحات الإسلامية لمحيط الجزيرة العربية ( احتلال ) أم أنها كانت تحرير للأرض والإنسان ؟
كلنا قرأ ونحن على مقاعد الدراسة رسائل الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم للدول المحيطة بالدولة الإسلامية الوليدة ومنها رسالته صلى الله عليه وسلم إلى هرقل والتي جاء فيها :
( بسم الله الرحمن الرحيم , من محمد عبد الله ورسوله , الى هرقل عظيم الروم• سلام على من اتبع الهدى• أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام: أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين• فإن توليت فعليك إثم الأريسيين .... ). كذلك رسالته صلى عليه وسلم الى المقوقس عظيم القبط جريح بن مينا ملك والتي حملها حاطب بن أبي بلتعة اللخمي و التي جاء فيها فيه:(((بسم الله الرحمن الرحيم, من محمد عبد الله ورسوله إلى المقوقس عظيم القبط سلام على من اتبع الهدى, أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، يؤتك الله أجرك مرتين. فإن توليت فعليك إثم القبط, 'يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ ولا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضا أَرْبَابا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ'))) وهذه الرسالة قد وجدت في أحد الأديرة قرب قرية أخميم في صعيد مصر, و قدمت نسخة من هذه الرسالة هدية للخليفة العثماني.
لكن كم من المدرسين و المحاضرين في الجامعات أو المحاضرين النجباء من تتطرق وشرح لطلابه معنى عبارة (إثم القبط ) في الرسالة الموجهة للسلطات الاحتلال في مصر , وعبارة (إثم الأريسيين ) في الرسالة الموجهة للسلطات الرومانية , و لماذا أوردهما الرسول الأكرم في رسائله.
في العبارات السابقة يكمن السر ,
فنكتشف أن الفتح الإسلامي لمصر تحديدا لم يكن سوى تحريرا لشعب مظلوم و مقهور, في حين أن الرسالة الرسول الأكرم الى الرومان كانت للتحرير المعارضين للأفكار الدينية الرومانية, فبعد أن استقرت الأمور لهرقل سيطرت عليه فكرة توحيد مذاهب المسيحية في مذهب واحد ، ويكون هو دين الدولة وأن يجبر الناس عليه ولو بالقوة، ، و اقر هذا الدين رسميا بعد أن عُقدَ في مدينة نيقيا التركية عام 325 م، أول اجتماع مسكوني الذي أصدر قانون الإيمان النيقاوي، الذي قُبِل من الكنيسة كقانون يحدد إيمانها بإلوهية المسيح، و بناء عليه تم حرق كل الأناجيل والروايات الدينية المسيحية والتي سميت بالهرطقية والآريوسية والغنوسية, التي تتحدث عن صفات ودعوه المسيح , والتي تسمى اصطلاحا «أبوكريفا» وهي كلمة لاتينية تعني ((غير القانونية)) أو غير معترف بها من قبل الأكثرية الدينية و لم يتم إقرارها والموافقة عليها من قبل المجمع الكنسي العالمي , في حين تم الإبقاء على أربع روايات من الأناجيل وهي متى ومرقص ولوقا ويوحنا المعروفة حتى اليوم .
في سبيل ذلك أرسل هرقل البطريق قيرس - أو المقوقس - إلى مصر لحمل المسيحيين من القبط على اعتناق المذهب الجديد ذو الطبيعيتين حيث أن مذهب القبط المسيحيين مخالف للمسيحية الرومانية من أنهم يؤمنون بالمسيح ذو الطبيعة الواحدة. وكان هناك في إرجاء الإمبراطورية الرومانية من بقى متمسكا بفكره الوحدانية الله و بشريه المسيح ومنهم راهب يدعى "أريُس" (Arius) (280-336م) ورعيته، الذي اصرر على الطبيعة البشرية الواحدة للسيد المسيح عليه السلام و نادي بالتوحيد، رافضا فكره تأليه المسيح وتسويته بالإله الواحد الصمد، مخلفا بذلك دين الدولة الرومانية .
رفض أهل مصر أو الأقباط -- وكلمة «قبطي» لغوياً وحضارياً تعني كل من يسكن مصر ، - وليس من يدين بالمسيحية فقط - من الوثنيون والمسيحيين الرافضين للأفكار الرومانية ومن المسيحيين الموحدين (الأريسيين ) لنظريه الثالوث لم تمر مرور الكرم , ففتكت الدولة الرومانية بكل من رفض معتقداتها التي مزجت بين ديانتها الوثنية والعقيدة المسيحية و فتعرض أهل مصر و الأريسيين في كل أنحاء الإمبراطورية الرومانية الى إبادة جماعية لم يشهد لها التاريخ مثيل , من الحرق والتقطيع والصلب الى الرمي أمام الحيوانات المفترسة في الميادين العامة أما من بقي فهربوا إلى الجبال والكهوف، أو أووا إلى الصحراء أو لاذوا بالأديرة الحصينة في الصعيد، وأما أقباط مصر السفلى وبابليون والإسكندرية، فقد اضطروا إلى الدخول في مذهب الدولة الرومانية المستعمرة . وقد سردت بعض المراجع تلك العقوبات بحق أهل مصر عموما وخصوصا الأريسيين وساقت إحصائيات - حتى من داخل الكنيسة - جاء فيها أن من قتل من أهل مصر من القبط ومن الموحدين (الأريسيين ) يعد بالملايين ويفوق عدد ضحايا ( الهولوكوست ) .
فوصول طلائع الفتح الإسلامي يعنى اندحار قوات الاحتلال البيزنطية والرومانية و انتهت معاناة كل الأقباط المصريين سواء كانوا من اليهود أو الوثنيون أو من (الأريسيين ) أو من المسيحيين المخالفين لروما و قد تم ذلك .
ففي ديسمبر 639م دخل المسلمين مدينة الفرما و ساعد القبط من النصارى ومن هم على دين قدماء المصريين المسلمين في ذلك , ثم تم الاستيلاء على حصن بابليون من الحامية الرومانية في يوم 6 (نيسان) 641م وتمت محاصرة الإسكندرية لعدة أشهر فتم الاتفاق مع السلطات البيزنطية على تسليم المدينة بدون قتال في يوم 8 (تشرين الثاني) ورحل البيزنطيين عنها. حيث أعلن الفاتحون المسلمون ضمانهم حرية العقيدة لأهل الكتاب من المسيحيين واليهود، وتم تسليم الأسقف القبطي بنيامين الأول كل كنائس الإسكندرية فيما تم السماح للرومان أن يبقوا بمصر بمعتقداتهم ، ختاما أن من حافظ علي الديانة المسيحية القبطية في مصر من الانقراض، هم المسلمون الذين جاءوا حرروا مصر كلها من البطش الروماني
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية