أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

أديب الشيشكلي.. العسكري الذي حاول قطع الطريق على هيمنة "الطائفية" داخل الجيش

سيموج البعض على هذه المقالة، لكن أليس من العدل - حتى الفهم الأوربي - تطبيق نفس نسب المواطنين على دين وشكل وجيش الدولة!؟ 

برز اسم أديب الشيشكلي في خمسينيات القرن الماضي كواحد من أكثر الضباط نفوذًا في سوريا، بعدما نجح في توظيف علاقاته داخل المؤسسة العسكرية لتثبيت سلطته. لكنّ ما ميّز تجربته عن سابقيه، هو إدراكه المبكر لخطورة تغلغل الفكر الطائفي في الجيش، وتحويله إلى أداة فوق المجتمع، بعيدة عن التوازنات الوطنية.

منذ أيام الانتداب الفرنسي، اعتمدت باريس سياسة "فرّق تسد"، فأغرت "أصحاب الفكر الطائفي"بالانتساب إلى "قوات الشرق الخاصة"، ثم تركت لهم حيزًا واسعًا في الجيش بعد الاستقلال. ومع مرور الوقت، بدأ ميزان القوى العسكرية يميل باتجاه الضباط أصحاب المرجعية الطائفية، ما أثار حفيظة النخب السنية التي رأت في الأمر خطرًا على الدولة الوليدة.

أدرك الشيشكلي هذه الحقيقة، فعمل على إعادة هندسة بنية الجيش. اعتمد سياسة نقل وتسريح وإبعاد، استهدفت بالدرجة الأولى الضباط المرتبطين بخلفيات طائفية واضحة. كما شجّع على تطعيم الجيش بضباط من أصول ريفية سنيّة، لضمان أن يبقى الجيش في يد "الأغلبية الوطنية"، لا رهينة فكر طائفي يمكن لجماعة ما توظيفه لمصالحها الخاصة.

لم يكن الشيشكلي في هذا السياق "مصلحًا عسكريًا" بقدر ما كان سياسيًا براغماتيًا. فقد خشي أن تتحول البنية الطائفية للجيش إلى رافعة لانقلابات مضادة، وربما إلى تفكك الدولة. ومن هنا، مضى بخطوات قاسية أحيانًا، وصلت إلى اتهامه بالتمييز وتصفية الحسابات. لكنه في العمق، حاول أن يفرض هوية جامعة للجيش تمنع تغوّل أي مكوّن على حساب آخر.

وهو ما عجل في إسقاط حكم الشيشكلي عام 1954، ثم قتله عام 1964 في مدينة سيريس بالبرازيل واعتبار ذلك شرفًا للباحثين عن الشرف، لكن إرثه ظل حاضرًا في الذاكرة السياسية والعسكرية. فقد كان أول من حاول، بوعي كامل، منع الطائفية من تحويل الجيش إلى وسيلة للهيمنة. غير أن ما حذّر منه وقع فعليًا بعد أقل من عقد، مع وصول الضباط البعثيين إلى السلطة، واستقرار الجيش تدريجيًا تحت سيطرة الطائفية، لتبدأ حقبة جديدة من تاريخ سوريا انتهت بكارثة وطنية شاملة.

عمر الجلاد - زمان الوصل
(7)    هل أعجبتك المقالة (3)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي