في وقتٍ تاهَ فيه العقل الذي ادّعى بعضهم أنه شيخه الأوحد، واندثرت فيه أبجديات المنطق، يتصدر المشهد من زوّر الحكمة ولبس عباءة العقل زورًا. إنه من كان عرّابًا للأسد، قبل أن يهمس أحدهم في أذنه أنه إلى سقوط، فنزل من مركبه خُبثًا قبل عامين، لا إيمانًا برفض الظلم والإجرام، ليقود طائفةً كاملةً نحو متاهةٍ خوارزميةٍ أعيت في فهمها كل أصحاب الرأي.
إنها خربشات جاهلٍ مقامر، لا يملك من الرؤية سوى ظلها المكسور وأوهام السلطة. ذلك هو الهجري الذي يرتبط بمشروع أسقطه أخلاقيًا، فأصرّ أن يجرّ الطائفة بأكملها إلى حفرته ذات القعر العميق. نعم، جرّ الدروز — لا السويداء وحدها — إلى منعطفٍ خطير، وورّطهم في لعبةٍ سياسيةٍ لا تليق بالسوري، ولا تنتمي إلى تراتبية المبادئ التي نسجت تاريخنا الجمعي.
لقد أصرّ هذا الرجل على أن يحوّل السويداء، تلك المدينة التي كانت يومًا في نظر السوريين قبل التحرير محرابًا للثوار ومنارةً للأحرار، إلى حلبة انقسامٍ وفُرقة، وورقةٍ تتقاذفها الأيدي، إلا يد أهلها.
فيما مضى، وبعيد الانتصار، كان ابن درعا ودمشق وحمص واللاذقية وحماة يقف في ساحة الكرامة، وهو المهاجر من وطنه، يهتف للحرية، قبل أن يعود إلى بيته ويرى أهله، حتى أصبح هذا الأمر تقليدًا ثوريًا عند الكثير. حينها، كان الهجري يدقّ مسمارًا بعد آخر في جسرٍ بُني من دم وحيد البلعوس الذي اغتاله مع الأسد، وليس من حبر الخيانة الذي كان يخطّه سلمان حكمت الهجري وهو يمارس عمله مع مخابرات الأسد، وتشهد الوثائق.
ما أصعب أن تتلوّن العمائم وتتحوّل من رموزٍ روحيةٍ إلى أدوات استبداد، فتتشظّى الحقيقة على أعتابها. من هنا، كان موقف ليث البلعوس مختلفًا، كصوتٍ صارخٍ في برية الخوف والاختلاف، يحمل في ملامحه طوق نجاةٍ لطائفةٍ تُباع وتُشترى على طاولة البازار السياسي، بعملة الخوف والتفرقة.
ليث البلعوس لم يكن سوى "شعرة معاوية" التي تبقي الجسد الدرزي متماسكًا ومرتبطًا بشكله الأصيل بتاريخ سوريا، رغم السكاكين التي تتنازعه وتبعد عنه تهمة الخيانة التي يصرّ الهجري على وسمه بها. هو الصوت الذي يذكّرنا أن السويداء ليست عمامةً واحدة، ولا قرارها يُختصر بختمٍ دينيٍ عسكري، بل هي نبض شعبٍ علّق علَمه ذات يوم على جراحه في ساحة الكرامة، ولا علاقة له بمشروع الهجري الذي مزّق راية الوطن بخاتمه في مبنى الأركان.
ما أقسى أن نرى رموز الوطنية تنكفئ، كوليد جنبلاط، في لحظةٍ تحتاج الطائفة فيها إلى من يرفع لواء الوعي، لا لواء الطائفة. كم أنتم بحاجة لشخصٍ واقعي — إن لم نقل وطني — يجنّب طائفةً يحب الهجري أن يقول عنها أقليةً، أن تكون في موقع المتهم، ليس في سوريا فحسب، بل في عموم بلادٍ تمتد ما بين جرحٍ ونزفٍ من محيطنا العربي لأهوازنا المحتلة شرقًا. ومع ذلك، ما زال الأمل معقودًا على من لم يبع روحه، ولا ساوم على ذاكرة وطن.
فيا أهل السويداء، لا تلعنوا البلعوس، ففي صوته ما تبقّى لنا من جميل ما يجمعنا من ذكريات الثورة، وفي مواقفه ما يُبقيكم خارج مستنقع الاحتراب الداخلي.
وتذكروا أنه مهما كنتم ترون سوداويةً في حكومة دمشق، فلن تقارَن بشيخ عقلٍ مقامرٍ يعرف مستوى الوعي الاجتماعي بعد عقودٍ عجاف واعتياد المجتمع ككلٍ على الدم والجراح مع واقعٍ اقتصاديٍ متردٍ، وأصرّ رغم كل هذا أن يجرّكم إلى مقامرةٍ لا يفتعلها إلا مجرمٌ ومتاجرٌ بطائفته.
فلا تعوّلوا على أولئك الذين سيفاوضون عليكم بثمنٍ بخس، فالوطن لا يُباع، والكرامة لا تُقايض.
يحمي السويداء شابٌ ثائرٌ مُنمّق بالوعي، ويدمّرها شيخٌ كهلٌ يعيش أحلام الأباطرة.
المهندس محمد رافع أبو حوى _ زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية