أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

فلسطينيو سورية... جثامين بلا وداع بعد إخفاء قسري وقتل ممنهج

من مخيم اليرموك - الأناضول

وسط ركام الحرب السورية وأرواح ضحاياها المجهولين، تتكشف فصول جديدة من مأساة فلسطينيي سورية، لتُظهر الوثائق المسربة أن الظلم لم يتوقف عند حدود الاعتقال أو التعذيب، بل امتد إلى مصادرة حق الضحايا في الوداع الأخير، وحق ذويهم في معرفة الحقيقة.

فقد كشف موقع "زمان الوصل" مؤخراً وثائق رسمية مسرَّبة عن معتقلين فلسطينيين سوريين قضوا في سجون النظام السوري، ظهرت أسماؤهم صراحةً، لتفضح سياسة القتل الممنهج والإخفاء القسري بحق اللاجئين الفلسطينيين في سورية. هذه الوثائق، قديمها وحديثها، ليست حوادث معزولة، بل حلقات في سلسلة طويلة من الجرائم الممنهجة، الموثقة بالأوامر والمراسلات الرسمية، التي تشير بوضوح إلى أن ما جرى لم يكن نتيجة تجاوزات فردية أو أخطاء عشوائية، بل نهج منظم تتبناه أجهزة أمنية رسمية وبعلم الدولة.

الوثيقة الأولى: ثمانية جثامين بلا وداع
تحمل تاريخ 21 تموز/يوليو 2018، وصادرة عن "الوحدة 215" التابعة لشعبة المخابرات العسكرية السورية، وتُفيد بتسليم جثامين ثمانية معتقلين فلسطينيين من أبناء مخيم اليرموك إلى مستشفى حرستا العسكري.

لكن الصادم أن الجثامين سُلِّمت دون إعلام ذويهم، ودون السماح لهم باستلامها أو حتى معرفة مكان دفنها، في مشهد يطابق النهج الإجرامي الذي كشفت عنه صور تسريبات "قيصر" من حيث الترقيم والتعامل اللاإنساني مع الضحايا.

الوثيقة الثانية: ثلاثة أشقاء فلسطينيين قضوا في صيدنايا بصمت تام
تعود إلى عام 2013، وتوثِّق استشهاد الأشقاء الثلاثة من عائلة عباسي (ميسم، محمد، غياث) داخل أقبية سجن صيدنايا العسكري، أحد أكثر السجون السورية رعباً، والمعروف بـ"المسلخ البشري".

هذه الجريمة الموثَّقة ليست استثناءً، بل نموذجًا لعشرات، بل مئات، الضحايا الفلسطينيين الذين فُقدوا داخل معتقلات النظام، وعلى رأسها صيدنايا، وفرع فلسطين، والمزة.



من وثيقتين إلى 30 معتقلاً فلسطينياً
تكشف وثائق جديدة اطلع عليها "مرصد" ونشرتها مصادر حقوقية، أن قائمة الضحايا الفلسطينيين الذين قضوا في سجون النظام السوري وصلت إلى 30 معتقلاً موثقين بالاسم، ما يرسِّخ حقيقة أن ما جرى لم يكن استثناءً، بل سياسة قتل ممنهجة وإخفاء قسري، مع حرمان ذويهم من المعلومة وحق الوداع.

الخلاصة القانونية: جريمة ممنهجة لا تسقط بالتقادم
الوثائق، رغم اختلاف الزمان والمكان، تكشف عناصر مشتركة:
- القتل تحت التعذيب.
- الإخفاء القسري للجثامين.
- حرمان ذوي الضحايا من أبسط الحقوق.
- التوثيق الإداري للجريمة، بما يشكل دليل إدانة بيد مرتكبيها.
هذه الأفعال، بموجب القانون الدولي، تُصنَّف ضمن الجرائم ضد الإنسانية، التي لا تسقط بالتقادم، وتستوجب ملاحقة المسؤولين عنها أمام آليات العدالة الوطنية والدولية.

المشهد الحقوقي والسياسي بعد التغيير في سورية
رغم تشكيل إدارة انتقالية جديدة وهيئة وطنية للمفقودين في سورية، فإن الحقيقة لم تُكشف بعد بالكامل، ولم تُنصف آلاف العائلات الفلسطينية والسورية التي ما تزال تنتظر مساءلة المجرمين وإنصاف الضحايا.

وفي هذا الصدد، تؤكد مبادرة فلسطينيي سورية للرقابة الشعبية - "مرصد" أن الاعتراف بالجريمة لا يكفي، وأن على الهيئة الوطنية للمفقودين التعاون مع الجهات الفلسطينية المستقلة وذوي الضحايا، وكذلك على المؤسسة الدولية المستقلة المعنية بالمفقودين في سورية (IIMP) - التي أنشأتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2023 - توسيع ولايتها لتشمل الضحايا الفلسطينيين، وإشراك ذويهم في مسار العدالة الانتقالية.

غياب التمثيل الفلسطيني… تقصير تاريخي
حتى اليوم، لم تُشكِّل منظمة التحرير الفلسطينية أو السلطة الفلسطينية أو حتى بقية الفصائل خارج المنظمة لجنة رسمية لتوثيق الضحايا الفلسطينيين في سورية، ومتابعة قضيتهم محلياً ودولياً، وهو ما نعتبره في "مرصد" تقصيراً مستمراً، يكرِّس التهميش ويضاعف الإحباط لدى أهالي الضحايا.

مطالب عاجلة على ثلاثة مستويات
دولياً:
- تفعيل ولاية الآليات الدولية لتشمل الانتهاكات ضد الفلسطينيين في سورية.
- إشراك ذوي الضحايا في أي مسار للعدالة الانتقالية.

سورياً:
- ضمان عدم إفلات مجرمي صيدنايا والوحدة 215 وفرع فلسطين من العقاب.
- إدراج ملفات المعتقلين الفلسطينيين في أعمال الهيئة الوطنية للمفقودين.

فلسطينياً:
- إنهاء التخاذل السياسي المعيب والإهمال المخزي تجاه آلاف الضحايا المغيبين.

الخاتمة: دم الفلسطيني ليس أقل من غيره
إن مأساة جثامين اليرموك التي لم تُسلَّم، وجريمة قتل الأشقاء عباسي، وارتفاع العدد الموثق للضحايا إلى 30 معتقلاً، كلها شواهد على جرح فلسطيني مفتوح لا يندمل إلا بالحقيقة والعدالة والمحاسبة.

ما لم يُرفع الصوت الفلسطيني عالياً، فإن الضحايا سيُقتلون مرتين: مرة في الزنزانة، ومرة في الصمت.

الوثائق لا تموت، الجثامين لا تُنسى، والعدالة مهما تأخرت… لا تسقط بالتقادم.

ماهر حسن شاويش - زمان الوصل
(12)    هل أعجبتك المقالة (9)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي