أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الزرقاء و فوضى الصوت .. ايوب الغنيمات

في أيام طفولتنا  في مدنية الزرقاء لم يكن التلوث البيئي والسمعي قد وصل الى ما وصل اليه الان

فكان يطيب لنا تقليد بعض الأصوات المنتشرة في مجتمعنا و ما أكثرها من قبيل أصوات معامل الطوب و ورش الحدادة والنجارة دون أن ندرك معنى  كلمه (الضوضاء ).

 فكان هناك من صغار الحي  من يقلد صوت  (بائع الخضرة ) أبوعلي بصوته الجهوري و تقليد صوت ( الكديش ) أو بغلته التي تجر عربة الخضار ,  مروراً بصوت أبو عزمي بائع الكاز المغشوش بالماء وحماره القبرصي الذي كان ( يعقط ) كل ما كان في مدى حوافره الذهبية, ناهيك ان هناك من برع في تقليد أصوات الحيوانات من قطط وكلاب والحمام و أصوات سيارات الإطفاء والشرطة  .

وربما من مبدأ (ان لم تستطع المقاومة فتمتع بما أنت فيه ) فقد اعتدنا على تلك الأصوات حتى أننا لم نعد نستطع النوم بدونها  .

في بلادنا هناك جدلاً حول تفعيل تعميم وزارة الأوقاف الصادر في الثمانينات من القرن الماضي والذي يقضي بضرورة التزام جميع أئمة ومؤذني المساجد باستخدام سماعات المساجد الخارجية للأذان والإقامة فقط ، وعدم جواز نقل الصلوات فيها كصلاة الجمعة والصلوات الجهرية وصلاة التراويح والتهجد. 

لان الموضع على مستوى عالي من الأهمية كثر اللغط والحديث فيه و أدلى كل بدلوا حتى بال احد الكتبة من فمه , مطالباً باستبدال الأذان بالموسيقى الكلاسيكية،  لباخ وتشايكوفسكي التي لا تسبب إزعاجاً في الشارع العام، وتهذب النفس وتنمي الذوق؟؟؟

 بشيء من الصراحة سأطرح بضع ملاحظات تتعلق  (بفوضى ) التلاوات و الصلوات والدروس عبر مكبرات الصوت في كثير من الجوامع ، فقد لاحظت كما لاحظ الكثيرون ، التداخل والتشويش والتنافس غير المبرر بين المساجد  للاقتحام و السيطرة على أثير المدن و الأحياء السكنية , فتشعر انك في جنوب لبنان أو في شرق أفغانستان .

 الحمد لله أن اغلب مساجدنا ألان  تمتلك مكبرات صوت ذات طاقات عاليه-  تفوق حاجتها-  قادرة على الوصول الى أماكن بعيده جدا عن محيطها نهار فما بالك بها ليلا,  لذلك تجد انك تسمع - في نفس الوقت-  عشرات الاقامات للصلاة الواحدة ,  وعشرات التلاوات القرانية المختلفة دون ان تصغي أو تفهم  ما يقال لانشغال الناس بقضايا معيشتهم .

  للأذان تأثير عميق في النفوس و قدسية كبيرة لا بد من المحافظة عليها وعدم تنفير الناس منه بأصوات وأداء سيء، فهل من حق القائمين على المساجد والجوامع ترك مكبرات الصوت مفتوحة قبل الأذان بنصف ساعة  أو بعدة بنصف ساعة أو ساعة , ما هي الحكمة والثواب العظيم في أن تفتح مكبرات الصوت يوم الجمعة من الساعة التاسعة صباحا لنقل الدروس الدينية ثم صلاه الظهر أو الإعلان عن طفل ضايع عمره تسع سنوات  يرتدي بنطلون اخضر و شبشب زنوبه أصبع .

في بيتنا و بيتنا مثل بقيه بيوت الزرقاء  - والحمد لله  - مغطى من الجهات الأربعة بالمساجد و المصليات التي أن اتفق بعضها على نقل الأذان الموحد لا تتفق على ما سواه , فبعضه تلك المساجد يصر على إذاعة إعلان(   أخي الحاج :تهيب وزاره الاوقا...... ,  و هناك مسجد في حيننا يذيع لنا أغاني عمر العبد اللات التي تذاع من محطة تتداخل إرسالها مع إرسال إذاعة القران الكريم ، زد على ذلك أن هناك من يترك الميكروفون للأطفال لأقامه الصلاة لان صوت ذلك الطفل ( حمودة ) جهورياً ،وهناك ممن يتفننون في رفع  الأذان و يضيفون عليه بعض الأذكار التي ليست أصلا منه , و انتهى الأمر بنا الى بث حي ومباشر لبرنامج (طوشه وهوشه ) بين إمامين و مؤيديهم  فان لم يكن الأمر كذلك فهناك الصفير الذي يخرج بدل الأذان في بعض المساجد , ثم  بعد ذلك من هو العبقري القادر على متابعة عشرات الخطباء في نفس الوقت وعلى نفس الأثير.

كي ابسط الصور أكثر أقول لو انك تتابع مباراة مثلا على محطة ما  وحدث أن بث تلك المحطة تعرض للتداخل من قبل محطات عديدة بحيث لم تعد قادرا على متابعة مباراتك أو برنامجك فهل سوف  تبقى تسمع أم انك سوف تغلق التلفزيون ؟؟

بيد أن المشكلة ليست بالسماعات الخارجية فقط  , بل أيضا  بأصوات المؤذنين من يبادرون لرفع الأذان أو الاقامه الذين لا يصلحون إطلاقاً لرفعه لا من ناحية سلامة النطق أو القراءة السليمة ولا من ناحية الصوت الحسن أو الخطباء من يرتكبون أخطاءً تؤدى الى الملل وضياع المستمع فيعيدون نفس الخطب المنقولة من دفتر 32 ورقه كل جمعة . 

أليس في فتوى كبار العلماء على اختلاف مشاربهم  من أن للقرآن آدابا في التلاوة والسماع لا بد من الالتزام بها وعدم تجاوز صوت القارئ لسمع الحاضرين والمتفرغين ما ينهى الأمر,  الم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمّ جماعة المصلين يجعل مستوى الصوت مقاربا للجماعة الحاضرة ولا يتجاوز صوته إلى خارج المسجد، أليس المطلوب منا كمسلمين هو  «وإذا قُرئ القرآنُ فاستمعُوا لهُ وأنصتُوا لعلكم تُرحمُون» سورة الأعراف.الآية 204، أي التفرغ  للسماع كلام الله عز و جل والإنصات له  بكل الجوارح , ماذا عن  حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -  الذي قال : اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال : " ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضاً ، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة ، أو قال في الصلاة " فكيف يكون ذلك مع كل تلك  الفوضى, ما هو ثواب من يسمع تلك الفوضى و عدم قدرته على تميز ما يقوله المقري أو المدرس أو الخطيب وهو  في  الحمام أو المطبخ أو في وسائط النقل  و أين هو الخشوع.

فكان حريٌّ بوزارة الأوقاف التدخل - و أن جاء متاخرا - و تعديل الأمور الى نصابها و حريٌّ بها أيضا أن تقوم بفحص صوت المؤذنين وكل من يتلون كلام الله  وتنظيم دورات تدريبية لهم  لتحسين أدائهم . فالمؤذن يجب أن لا يصل مرحله رفع الأذان أو الاقامه  إلا بعد الممارسة والإتقان , وهذا أمر طبيعي أليس من يعمل في الأوقاف متفرغ لعمله فلا حرج  إذن أن يطور من نفسه  و صوته طالما توفرت سبل ذلك  ... يبقى سؤال منطقي ومقبول؟ ماذا عن ضجيج مكبرات الصوت و الأسلحة النارية المستخدمة في الأفراح التي تصل الليل بالنهار !!

 

(95)    هل أعجبتك المقالة (83)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي