أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

تبييض صورة الأسد الكيماوي: هل المقابلات الصحفية بلا حدود أخلاقية؟

أثارت الأنباء المتداولة حول إجراء مقابلة تلفزيونية مع رأس النظام السوري، بشار الأسد، عاصفة من الجدل والانتقادات اللاذعة، خصوصًا من قبل المنظمات الحقوقية والنشطاء السوريين. لم يكن هذا الجدل وليد اللحظة، بل هو تجسيد لصراع أوسع حول أخلاقيات الإعلام ومسؤوليته في التعامل مع شخصيات متهمة بارتكاب أبشع الجرائم ضد الإنسانية. إن مجرد التفكير في منح منصة إعلامية لشخصية بهذا السجل الإجرامي هو خطأ فادح يمسّ جوهر المهنية والأخلاق.

ولعل الأسوأ هو ترويج البعض لهذه المقابلة وكأنها حدث إعلامي طبيعي، يوازي في أهميته حواراً مع أي شخصية سياسية أخرى. هذا الترويج يساهم في تطبيع فكرة أن مرتكبي جرائم الحرب يمكن أن يتحولوا إلى ضيوف برامج حوارية، مما يطمس الخط الفاصل بين الضحية والجلاد.

تجاهل صوت الضحايا وتجميل صورة الجلاد
المشكلة الجوهرية في هذه المقابلة ليست في فكرة "الحوار" بحد ذاتها، بل في السياق الذي تُجرى فيه. بشار الأسد ليس مجرد زعيم سياسي له وجهة نظر مختلفة، بل هو المتهم الأول في سجل طويل من الجرائم التي هزت الضمير الإنساني. تشمل هذه الجرائم قمع الاحتجاجات السلمية بالرصاص الحي، واستخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين، وتدمير المدن بشكل منهجي، مما أدى إلى مقتل مئات الآلاف تحت التعذيب والقصف، وتشريد الملايين. تجاهل هذه الحقائق المروعة ومنح الأسد منصة "طبيعية" للحديث عن رؤيته للأحداث هو في الواقع تبييض سياسي مكشوف.

الأولوية الأخلاقية والمهنية كانت وما زالت يجب أن تكون لإيصال صوت الضحايا، وتسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان، وفتح تحقيقات عادلة في الجرائم المرتكبة. إعطاء المنصة للجلاد بدلاً من الضحية هو قلبٌ للموازين الأخلاقية وضربٌ بكل المعايير المهنية عرض الحائط.

مسؤولية القناة: حرية التعبير أم المسؤولية المهنية؟
في المقابل، تجد القناة التي ستجري المقابلة نفسها في موقف حرج، وتواجه اتهامات بالسعي وراء الإثارة الإعلامية على حساب الاعتبارات الأخلاقية. قد يدافع البعض عن حق القناة في إجراء أي مقابلة، باعتبار ذلك جزءًا من حرية الصحافة وتقديم وجهات نظر مختلفة. ولكن حرية الإعلام ليست مطلقة، بل يجب أن تكون مقيدة بأخلاقيات المهنة ومسؤوليتها تجاه المجتمع.

المسؤولية المهنية تفرض على المؤسسات الإعلامية عدم التعامل مع شخصيات متهمة بجرائم حرب بشكل يضفي عليها الشرعية أو يساهم في تجميل صورتها. هذا النوع من المقابلات لا يساهم في فهم أعمق للأزمة السورية بقدر ما يساهم في شرعنة نظام ارتكب أفظع الجرائم. إن الفارق كبير بين البحث عن الحقيقة، وبين إعطاء منبر إعلامي لشخص يمثل الكذب والتضليل والقتل.

الحقيقة أقوى من عملية للتجميل 
 التاريخ والحقائق المروعة كفيلة بدحض أي محاولة لتجميل وجه الأسد، صور الدمار، والغازات السامة التي خنقت الأطفال، وقصص الضحايا ستبقى أقوى من أي كلمة يمكن أن يقولها؟ في النهاية، لا يمكن لأي مقابلة تلفزيونية أن تمحو تاريخاً من القتل والدمار، ويبقى صوت العدالة أعلى من أي منبر إعلامي.

الحسين الشيشكلي - زمان الوصل
(322)    هل أعجبتك المقالة (15)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي