أعلم تمامًا أن هذه الرسالة قد لا تصل إلى سيادتكم مباشرة، لكنها بلا شك ستصل إلى مسؤولين في الدرجات الثانية والثالثة، وستُقرأ من قبل سوريين كُثر، ولهذا أرجو قراءتها كاملة ومشاركتها إن وجدتم فيها ما يستحق.
منذ لحظة تحرير سوريا، وأنتم تكررون الحديث عن ضرورة الانتقال من عقلية "الفصيل" إلى عقلية "الدولة"، حيث تكون المؤسسات التشريعية والقضائية والتنفيذية هي الحكم الفصل في قضايا المواطنين، وفي جميع الملفات الشائكة.
وللأمانة، لقد أثبتم أنكم رجال دولة بالفعل على الصعيد الخارجي. فقد استطعتم، وفي وقت وجيز، تحقيق إنجازات عظيمة على صعيد العلاقات الدولية، وملف العقوبات، وكسب القبول والشرعية الدولية. وهو ما يعكس حجم الجهد والعمل السياسي والدبلوماسي المتقن الذي بذلتموه. كما نجحتم في صدّ محاولات كثيرة لإسقاط الدولة السورية الوليدة، التي كادت أن تنزلق إلى أتون حرب أهلية لا تبقي ولا تذر. وكان ذلك انتصاراً عظيماً في سبيل الحفاظ على وحدة البلاد وسلمها الأهلي.
ولكن، ويا للأسف، أقولها بكل ألم: لقد فشلتم في إدارة الملف الداخلي، وتحديدًا في الجانب الأمني الذي يعدّ العمود الفقري لاستقرار أي دولة. فإلى اليوم، ما زال بعض المسؤولين في الوزارات والمؤسسات الحكومية يتصرفون بعقلية الفصيل، لا الدولة. لقد رأينا حجم الانتهاكات التي ارتكبها بعض عناصر الأمن العام بحق المدنيين، وحتى بحق أسرى الحرب الذين يجب أن يُعاملوا معاملة كريمة وفقًا للقانون. وتألمنا كثيرًا لمشاهد القسوة، والاستهانة بحقوق الإنسان، التي تعيد إلى الأذهان ممارسات عهد الاستبداد السابق. كما تابعنا بذهول أداء بعض الوزراء!
وفي خضم هذه المشاهد المؤلمة، نسمع عن وفاة مواطن سوري داخل مراكز الاحتجاز في ظروف غامضة تذكرنا بالموت الصامت الذي كان يمارسه نظام الأسد الإجرامي. ورغم كل ذلك، يخرج علينا وزير الداخلية "أنيس خطاب" متحدثًا عن سجون جديدة بمعايير حديثة! بالله عليكم، سجون؟ أهذا هو الحل؟ أهذه هي الأولوية؟ بدلًا من الحديث عن السجون، كنا ننتظر من معاليه أن يحدثنا عن إصلاحات حقيقية داخل الأجهزة الأمنية، عن محاسبة شفافة لعناصر الأمن المتورطين، عن بناء منظومة أمنية تحترم القانون والدستور وتحفظ كرامة الإنسان.
ومن منطلق حرصي الشديد على مستقبل هذا البلد، وعلى حماية ما أنجزتموه خارجياً من أن يتبدد داخلياً، أرى أنه من الضروري:
_ البدء بإصلاح جذري للأجهزة الأمنية والإعلامية، وإعادة هيكلتها بالكامل.
_إعادة تقييم عناصر الأمن العام، وفرض عقوبات صارمة بحق كل من يسيء استخدام سلطته.
_وقف التهاون، فالاستهانة بهذه الملفات تهدد السلم الأهلي وتهز هيبة الدولة.
_ إطلاق حملات توعية وتثقيف قانوني وأخلاقي لعناصر الأمن، لتبيان حقوقهم وواجباتهم، ولتأكيد أنهم واجهة الدولة لا سوطها.
وفي الختام، إن الإصلاح لا يبدأ بالشعارات، بل بإجراءات واضحة وقرارات شجاعة. وأعلم أن بينكم من يملك هذه الشجاعة، فقط إن أدرك أن الوقت لا يرحم، وأن الكارثة القادمة قد لا تفرق بين من أنجز في الخارج وفشل في الداخل. أنقذوا ما يمكن إنقاذه، فالشعب تعب، والوطن يستحق أكثر. والسلام على سوريا إن ضاع صوت القانون، وعلت فيه أصوات الخوف والفساد من جديد.
علي المحمد - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية